أفـي مكة انتركونتيننتال



سؤال إنكار ، وعنوان مقال ؛ للأستاذ عثمان حافظ – المتوفى سنة 1413 هــ ، وأظنه كتب المقال قبل سنة 1400 هــ – يتعجب في كتابه صور وذكريات من وجود هذه الأسماء التجارية ، والتقليعات الإفرنجية ، في محلاتنا وفنادقنا ، ويُطالب أن تُصان بلادنا – خاصة الحرمين الشريفين – من هذه الأسماء الدخيلة ، التي يترتب عليها مصائب جليلة .

أقول : رحم الله الأستاذ عثمان حافظ ؛ فقد حفظ الله له عينيه أن ترى – في زماننا هذا – : علامات تجارية غربية أظلمت بها طرقنا وشوارعنا ، وأسماء ماركات أجنبية شوهت جدران فنادقنا ومحلاتنا ، وصور رجال أنصاف عُراة فتنت نساءنا وأبناءنا تظهرها شاشات إلكترونية عند الإشارات المرورية ، هي دعايات لعطور فرنسية .

ارتخت معها أجلادنا ، وماعت بسببها غيرتنا ؛ فنسينا أصولنا ، وبدلنا لغتنا ، وزهدنا في تراثنا .

وزيادة على هذا وذاك ؛ فقد عَنَا كثيرٌ منا للباطل ، فغلت أنفسُهم أعلامَ الأعاجم ؛ فتفشت بيننا ظاهرة الأسماء الجديدة لبناتنا ، فعققنا بهذه المسميات ذرياتنا ؛ فالتي أمها خيرية وصالحة ، تُسَمَي بنتها مادلين ونرمين وغيرهما من أسماءٍ طالحة .

وأشغلنا الدَّدَنُ عن قراءة ما ينفعنا من كتب تراثنا التي بها تستقيم ألسنتنا ، أو بناء ما يرفعنا من أعمال هادفة تُرضي ربنا ، قال تعالى : ( أفمنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

وتضعضع دين كثير من شبابنا ؛ فتهافتوا على الموضات الأجنبية ، والقصات الكلاسيكية ، وراجت بينهم المساحيق التجميلية ، فصبغوا وجوههم بكريمات تبيضية .

وعجوا بالتكلم بمصطلحات غير العربية ، بل استحدثوا لغة عربيزية ، بعد أن كان همنا محاربة اللهجة العامية .

وقد كنت أتعجب قديمًا أشد العجب من الأديب الأستاذ أبي فهر محمود شاكر في كتابه أباطيل وأسمار حربه الضروس بوجه عبوس ؛ على دعاة إحلال اللهجة العامية بديلاً عن اللغة العربية ، فلما تسمع مثلي وترى انتشار العجمة بين أبنائنا ، وترديدهم لمصطلحات الأعاجم من غير حاجة ، تعرف سبب غضبه ، وشدة غيرته على لغتنا العربية .

فقد كان يرى رحمه الله أن أول معول يُهدم به الإسلام هو طمس اللسان العربي المبين ، وذلك بإحلال اللهجة العامية كأول ضربة ، ثم بعد ذلك نشر مصطلحات الأعاجم في التعاملات اليومية ، ثم آخر ذلك طمس العربية فصيحها وعاميها ، وجعل لغتهم الأعجمية هي الرسمية في البلدان العربية .

ولو أنّا علّمنا أبنائنا قيمة تراثهم الديني والتاريخي واللغوي لظهرت الأصالة والقوة والحكمة في كلماتهم ، وتصرفاتهم ، وأخلاقهم .

ولكنهم لما استنهجوا سبيل الغرب ونحن راضون ، وافتخروا بتقاليد العجم ونحن صامتون ، سمعنا العجمة في ألسنتهم ، وأبصرنا الرقة في ثيابهم ، وشعرنا بصفاقة تصرفاتهم ، وقرأنا تفاهة أفكارهم ، وعانينا من ضحالة ثقافتهم .

ومن لطيف ما يُذكر ، وعجيب ما يؤثر ؛ أن فقيهًا معاصرًا عرض عليه طلاب من روسيا قراءة كتاب بين يديه فاعتذر منهم خشية صعوبة نطقهم ، فأحالهم على مليءٍ مثله ؛ فاستحيى منهم فوافق ؛ فلما عرضوا عليه الكتاب إذا هم باللغة العربية الفصحى يقرؤون ، ولما نقد مقالهم وجدهم لا يلحنون ، وفي إعراب الكلمات لا يخطئون .

وهذا ليس بغريب فقد ذكر الأستاذ عبد الرحمن بكر صبّاغ في كتابه ذكريات مدرس عن بدايات التعليم النظامي في العهد العثماني والسعودي عددًا من المدرسين الهنود الذين تولوا تدريس مادة البلاغة واللغة العربية لأبناء الجزيرة العربية .

وأخيرًا – قارئي الكريم – فإن نتولـى عن تراثنا ولغتنا يستبدل الله قومًا غيرنا من الأعاجم يتعلمونها ويُعَلِّمونها ، ثم لا يكونوا أمثالنا .>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com