بين الإثارة والمراجعات

هناك أناسٌ يُجيدون تجميعَ الضوءَ حولهم، ولو كان ذلك على حساب القضايا التي آمنو بها زمناً، وقدّموا في سبيلِها الكثيرَ من التضحيات التي تجعلنا نحترمهم مهما اختلفنا معهم أو اتفقنا، بيد أنّ المثير هو أنّ حبَّهم للأضواءِ، بوصفِهم نجوماً، يجعلُهم يتنكّرون لانتماءاتِهم الأولى.

أحدُ الليبرالييّن الروّاد هاجمَ الليبراليين السعوديين هجوماً سافراً، وحمّلهم أوزارَ كلّ الخطايا، – برغم تأكيده على عدم وجودِهم – !، فَعَلَ ذلك وهو على يقينٍ من أنّ أحداً منهم لن يشتِمَه، أو يكفّره، أو يهدّده، أو يشنّع عليه من على منبر جمعة، أو يحاولَ منعَه من إلقاءِ محاضرتِه، ولذا كانَ الهجومُ على الليبرالييّن، مِنْ أحدِهم، مفروشاً بالسلام؛ ذلك أنّ من مبادئِهم المُعلنَة احترامَ الرأي الآخر، على الرغم من أنّه قد وصَفَهم بالنقيض.

الغريبُ في الأمر أنّه طالبَ الليبرالييّن بأنْ يكونوا أصحابَ مشروع، متجاهِلاً الأحوال المحيطة بمسألة الحرّيات، ومتناسياً أنّ العامّة يرون فيهم أنموذجاً ماثلاً للكفر، والفسق، والإلحاد، ومُعرِضاً عمّا يعلمه جيدا، من أنّ الليبراليين السعوديين هم مجموعة من المسلمين الذين ليس بينهم أيّ تنسيق، وليست بينهم روابط مباشرة، سوى الاهتمام بقضايا عامّة مثل: حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والحريات المدنية، واحترام الأديان والطوائف الأخرى، والمساواة، ونبذ العنصريّة، ورفض الإرهاب الفكري (الذي اشتكى منه هذا القائلُ نفسُه كثيراً)، وهم ليسوا أصحابَ تنظيمات معلنة، فكيف تكونُ نداءاتُهم المتناثرةُ مشروعاً؟ إنّ قيامَ مشروعٍ ليبرالي في مثل هذه الظروف أمرٌ مستحيل.

وعلى الجانب الآخر، قرأنا أنّ أحدَ الدّعاة الصحوييّن النجوم، هاجمَ الدّعاة – الذين ينتمي أكثرُهم إلى “الصحوة” – متّهما إيّاهم – أو خطابَهم- بالتسبّب في تنامي أفكار العنف والكراهية بين أوساط الشباب، على الرّغم من أنّه كانَ يمارسُ التأجيجَ والتحريضَ قبل أن يستيقظَ الإنسانُ الواعي الجميل في داخِلِه، وفي هذا القولِ تغافلٌ عن حسناتِ الصحوة التي يعترفُ بها معارضوها المنصفون، واختزالٌ للصحوة في تأجيج أفكار العنف، ومشاعر الكراهيّة.

هذان الكبيران، قالاها بشجاعة، أو برغبة في الإثارة وتجميع الأضواء، لا يهمّ، إلا أنّ المُهمَّ هو لماذا يُشنّعُ كلٌّ منهما على تيّاره، وهو أحد قادتِه؟، ولماذا لا يكونُ الاعترافُ بأخطاء الذّات سابقاً للهجومِ على التيّار أو التوجّه؟ وكأنّ يد الذّات بريئةٌ من الأخطاء، وهل يمكن أن تكونَ هذه التهم اعترافاتٍ ضمنيّة؟ أو إعلاناً غير مباشر عن التراجع؟

المُراجعاتُ أسلوبٌ راق، وطريقٌ مثاليّةٌ يسيرُ عليها الباحثون عن الحقيقة، بيد أنّها تصيرُ فجّةً غير مقبولةٍ حين تكون على حساب الآخرين، وحين تعمدُ إلى تزكية الذّات وتنزيهها، وحين لا تتكئ على الوضوحِ الذي يهدي المتابعين إلى رؤيةٍ جليّة، وكان من الأجدر بهذين الجميلين، وهما صاحبا فضل وتأثير كبيرين على العقول، أن يكونَ طرحُهما مباشراً، وأن يعترفا بما وقَعا فيه من أخطاء جعلتْهما الآن يتنكّران لتيّاريهما المؤثّرين؛ ذلك أنّهما لم يكونا على هامشِ الحراك الفكري، ولم يكونا من النكرات، وإنما كانا قائدين سارَ في ركابِهما الآلاف، ممّا يتطلّب الإيضاح للآلاف دون مواربة، ودون أن تكونَ الأضواءُ هدفاً مقدّما على فكرة المراجعات نفسِها.

>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com