بعد عامين من صدور العدد الأوّل من مجلّة الجنوب كانت هناك استعاضةٌ أخرى عن الصحيفة اليوميّة, فقد أصدر نادي أبها الأدبيّ العددَ الأوّلَ من دوريّة بيادر الثقافيّة الأدبية سنة 1406هـ, وكانَ له دورٌ كبير في تحريك الرّاكد, إذ كانت ردّة فعل الأوساط الثقافيّة, والدينيّة, على صدورِ ذلك العدد أعنفَ ممّا توقّع القائمون عليه, ذلك أنّ العددَ كانَ متّجهاً إلى القصيدة الحديثة التي لم يألفْها النّاسُ حينئذٍ, ممّا أحدثَ سجالاتٍ عديدة على صفحات الجرائد, انقسَم متابعوها, والمشاركون فيها, إلى فريقين هما: فريق الأصالة, وفريق الحداثة , و من آثار صرعات الفريقين في تلك المرحلة أنْ أصدرَ الشيخ عوض بن محمد القرني كتاب: “الحداثة في ميزان الإسلام” سنة 1408هـ, تتصدّرهُ مقدّمةٌ كتبَها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز, تتضمّنُ من القسوة على المجدّدين, والكثير من التأييد للمؤلّف, وممّا جاء في تلك المقدمة أنّ من أهداف التجديد: ” محاولة نبذ الشريعة والقيم والمعتقدات والقضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجديد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتها به”, وفيها يقول الشيخ عبدالعزيز: ” أخيراً أحمد الله الذي قيض لهؤلاء الحداثيين من كشف أستارهم وبين مقاصدهم وأغراضهم الخبيثة وأهدافهم الخطيرة بهذا الكتاب الذي يقدمه مؤلفه فضيلة الشيخ عوض للقراء، فقد كشف لنا القناع عن عدو سافر يتربص بنا ويعيش بين ظهرانينا ينفث سمومه باسم الحداثة، وهو بهذا الكشف والبيان يلقي مسئولية عظيمة وجسيمة على علماء هذا البلد وقادته ورجاله وشبابه وغيرهم للتصدي لهذا الخطر, وإيقاظ الهمم، وتنبيه الغافل عنه، ونصح وتوجيه الواقع فيه”. ويقولُ المؤلّفُ ضمن أسباب تأليف الكتاب إنّ : “الحداثيين سيطروا على كثير من الأقسام الثقافية في الصحافة المحلّيّة وتغلغلوا في غيرها من النوادي الأدبيّة والأندية الرياضيّة وفروع جمعيّات الثقافة والفنون، واتخذوا حيال أي فكر غير فكرهم سياسة قمعية دنيئة كما يقول أحد التائبين منهم، كما سترى في الكتاب، فكان لا بد من الرد عليهم بواسطة النشر في الكتب، بعد أن سدوا جميع المنافذ أمام غيرهم، وكان نصيب أي مقالة رد عليهم أو حتى عتاب لهـم هو سلة المهملات”, وليس من المنطقي أنْ نقولَ إنّ دوريّةَ : بيادر كانت سبباً رئيساً في الأصداء, بيد أنّ من الإنصاف التأكيد على أنّها كانت سبباً مهمّاً من أسبابٍ كثيرة أدّتْ إلى سجالاتٍ إيجابيّة برغم حدّتها الواضحة, حيثكانَ من آثار تلك السجالات أنْ توقّفت (بيادر) عن الصدور بعد العدد الأوّل ثلاث سنوات, ولم يصدر العدد الثّاني إلا سنة 1409هـ.
ومهما يكن من أمر, فإنّ لواحقَ صدور هذه المجلّة الثقافيّة من: المعارضة, والتأييد إنّما كانت – فيما بعد- سبباً من أسباب التفات الناس إلى الفكر والأدب, وتلك حسنةٌ من حسنات الاختلاف, أمّا المواقفُ فلم تتبدّل, وإنْ خفّتْ حدّةُ الصراع, فبعد واحدٍ وعشرين عاماً أصرَّ أحدُ أعضاء هيئة تحرير العدد الأوّل من هذه المجلّة, وهو محمد زايد الألمعي – في حوارٍ أجريتُه معه لبيادر نفسِها – على أنّ ذلك العدد كان ذا منهج خاص, حيث يقول: “بيادر التي اختار النادي استئناف صدورها بعد عامين من عددها الأوّل, هي مطبوعةٌ تتبنّى ذات الاسم, يصدرها نادي أبها الأدبي, ولا علاقة منهجيّة لها بالعدد الأوّل, وأنْ يختار النّادي ما اخترناه, ويستثني المنهج, أفضل من عدم صدورِها, وتلك مرحلةٌ انتهتْ بملابساتِها”, ويحلم زميلُه في تحرير العدد نفسِه, علي آل عمر عسيري (رحمه الله) – في حوارٍ أجراه معه لبيادر الدكتور عبدالله حامد – “بنسخٍ أخرى من بيادر الأوّل”.
وهكذا؛ كانت الصحافةُ عاملاً مهمّا من عواملِ التنوير بهذه المنطقة, فقد تدرّج اهتمامُ الشغوفين بها من مراحل التلقّى الأولى, – على الرّغم من صعوبتِها – إلى الإسهام اليسير في العقدين السابع, والثامن, من القرن الرابع عشر الهجري, حتّى الإسهام المؤثّر في الأجيال القادمة من الكتّاب, والشعراء, عبر العقود الثلاثة الأولى من القرن الخامس عشر الهجري, ممّا ستظهرُ آثارُه –بوضوحٍ أكبر- في النتاج الفكري و الأدبي للأجيال الجديدة من المثقفين المؤمنين بأنّ الجذورَ الراسخة هي التي تنبتُ في تربة المكان, وأنّ العالميّة لا تكون إلا بالانطلاق من الثقافة المحلّية .
*إعلامي وأديب.وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد>