هل تعرفون صاحب “المتاهات”؟

لا أدري، على من يُلقى اللوم، حين تجهل الأجيال الجديدة، بعض رواد الأدب والثقافة في بلادنا؛ أهو على مناهجنا؟ أم على باحثينا؟ أم على مؤسساتنا الثقافية؟ أم على الأجيال أنفسهم؟.

من الرواد المجهولين، الشاعر أحمد علي آل مانع عسيري، الذي يُعد حالة خاصة، سواء أكان ذلك من حيث اختلاف قصيدته عن معاصريه من شعراء عسير، أم من حيث سيرته الذاتية التي تدل على أن رحم المعاناة هو المكان الأكثر خصوبة لنبتة الإبداع.

طرأتْ هذه الأفكار على الذهن، وأنا أستمع إلى هذا الشاعر يعلق بلغة رصينة على محاضرة للصديق علي مغاوي، حول الثقافة التقليدية بمنطقة عسير، بأدبي أبها، وتساءلتُ ـ حينها ـ كم نسبة العارفين بهذا الشخص بين الحضور؟ مدركاً أنهم لا يتجاوزون 10%.

لقد أحاطت بنشأة أحمد آل مانع، المولود سنة 1366، بقرية آل زيدي بالقرب من مدينة أبها، الكثيرُ من المؤثرات، فقد فَقَدَ أباه صغيراً، ولما التحق بدار الأيتام في مكة المكرمة فرّ منها، ثم أُضطر إلى العودة إليها، بعد أن شعر بالتشرّد، كما تذبذب بين الدراسة الجامعيّة والعلوم العسكرية، حيث التحق بقسم اللغة العربيّة في كلّيّة الشريعة بمكّة المكرّمة لعام واحد سنة 1387هـ، ثم تركَها مُيمّما وجهَه شطر كلية الأمن.

ظهرتْ آثار الحرمان والتشرّد في شعره، وبدت جليّة منذ الإهداء الذي صدّر به ديوانه الأوّل: “في متاهات الحياة”، عام 1393هـ، إذ يقول: “إلى الإنسان الذي يشقُّ طريقه بعصاميّة.. إلى كلّ إنسانٍ ذاق مرارة الحرمان، أو ضاع في متاهات الحياة…”، و كتب مقدمة هذا الديوان الشاعر محمد حسن عوّاد، ملاحظا ـ فيها ـ حالة الحرمان والتشرّد التي مرّ بها هذا الشاعر، حين قال عنه: “شاعرٌ شاب يستطيعُ هذا الوطن العربي، وهذه اللغة الخالدة، أن يعتزّا به، ولا مبالغة في هذا القول، إنّك ستدهش لشاعر الحرمان والضَّيَاع، يجسّم لك هذه المعاني، وينفخ فيها من روحه”.

وقد جاء هذا الديوان مختلفاً عن دواوين شعراء منطقة عسير الذين سبقوه أو عاصروه، وذلك من حيث: اتجاهه إلى التجديد في الموسيقا؛ إذ خرج على الموسيقا الخليليّة في العروض والقافية خروجاً يسيراً, مسايراً بعض شعراء الحجاز في تلك الفترة, حتّى بات من الممكن القول إن الديوان قد حوى محاولاتٍ مبكّرة في كتابة القصيدة التفعيليّة, وإن لم تخل من الأخطاء العروضيّة، كما كان يميل إلى البحور الخفيفة والمجزوءة، ويعتمد على نظام المقاطع الذي سادَ في عصره.

يتوزّعُ شعرُه بين: الشعر الوجداني والتأمّلي، والشعر الإسلامي، ويغلب عليه الجانب الإنساني.

صدر له – بعد ديوانه الأوّل- ديوانان هما: “بقايا المتاهات”, و”المرفأ”، وله كتابٌ مخطوط في الأمثال، وآخر بعنوان: “تأمّلات في الحياة”.

أليس جديرا بأن نعرفه، ونقرأ له، ونعرِّف الأجيال به؟
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com