لم أعثرْ على رواياتٍ مبكّرة تمثّل طور نشأة هذا الفنّ بهذه المنطقة, وتكون موزايةً –زمنيّاً- للروايات السعوديّة الأولى, وذلك أمرٌ بدهيٌّ إذا نظرنا إلى أدب هذه الجهة بوصفِه جزءاً من الأدب السعوديّ؛ إذ كان روّاد الأدب في المملكة العربيّة السعوديّة ينتمون إلى مناطق أخرى هي أكثرُ قدرةً على تقبّل هذا الفنّ الجديد, وذلك لما تهيأ لأدبائها من أسباب الاطلاع على تجارب نظرائهم في البلاد العربيّة المجاورة, ولأنّ أدباء الحجاز – على وجه الخصوص – كانوا أقربَ إلى الانفتاح على الفنون الجديدة؛ ذلك أنّ الفنّ الروائيَّ مرتبطٌ بالتطوّر الاجتماعيّ الذي كانت الحجاز أسبقَ إليه لأسبابٍ معلومة, وهو –كالفنون الأدبيّة الأخرى- يرتبطُ بالتحوّلات الاجتماعيّة السريعة, والاضطرابات غير المألوفة, وقد كانت الحجاز الأسرع نموّاً, وتطوّراً, ولذا بادرَ الحجازيون إلى الأنواع الأدبيّة الجديدة قاصدين ذلك, يقول عنهم الدكتور حسن حجاب الحازمي: “فبدأوا بتهيئة النّاس لتقبّل الرواية من خلال كتاباتِهم في الصُّحف المحلّية, داعين الأدباء إلى الإقبال على كتابتها, ومدافعين عنها, ومعلين من شأنِها للردّ على على أولئك الذين ينتقصون منها”, فقد كانَ هناك نوعٌ من الرفضِ لهذا الفنّ في بدئه الأوّل, ولذلك أسبابٌ تتعلّق بكون الرواية تعتمد على تعقيدات العلاقة بين الجنسين, التي يرفضها المجتمع السعوديّ, ولعلاقتِها – في تاريخِها- بنقد الثابت الاجتماعي والعقدي, فضلاً عن كونها فنّاً دخيلاً على العربيّة يحتاج إلى التمكّن, والوعي, قبل ممارسة الكتابة.
والحقُّ أنَّ تأخّر ظهور الرواية عند أدباء عسير كان سبباً في حرق المراحل, وهي سمةٌ إيجابيّة حين يُنظرُ إلى الأعمال الروائيّة من ناحية النضج الفنّي, لا من ناحية الريادة التاريخيّة, ولذا لم تمرّ الرواية في عسير – عند النظر إليها بوصفِها جزءاً من الفنّ الروائيّ السعوديّ- بما أسماه البعض ” المعيار الزمنيّ”, ويُقصدُ به أوّليّة الإنتاج وريادته, ولم تشهد الرواية في عسير مراحل الإرهاصات الأولى التي لا تكون على درجةٍ عاليةٍ من النضج, كما أنّها لم تشهد ما يتبعُ البداياتِ من التراخي, والانحسار, اللذين قد يحدثان نتيجة عدم مواءمة الجنس الأدبي للواقع الاجتماعي, وإنّما ظهرتْ ناضجةً بوصفها حلقةً في سلسلةِ مراحلِ نشأة الرواية السعوديّة.
ويبدو أنّ الاتجاه العام إلى كتابةِ الروايةَ قد جعلَ الكثيرين من كتّاب القصّة القصيرة يتّجهون إليها, وهو أمرٌ مُبَرّرٌ حينَ يُربطُ ببعضِ التحوّلات الفكريّة, والاجتماعيّة التي جعلت من الرواية ميداناً خصباً للتعبير, لكونها أكثر ملاءمةً لاستحضار الأحداث, واستشرافِها, بيد أنّه غيرُ مبرّرٍ حين تكونُ كتابة الرواية من أجل الشهرة, والانتشار, ولفت أنظار النقّاد إلى الكاتب, وتحت وطأة الشعورِ بضرورة إنجاز عملٍ روائيٍّ, دون أنْ يمتلك الأدوات الفنّية اللازمة للنجاح في هذا النّوع الأدبي الجديد, وهو ما وقعَ فيه بعضُ الشباب نتيجة الاندفاع نحو المثير.
*إعلامي وأديب.وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد>