فكرة «البعث» في ملحمة الأخدود

أنا من الذين يراهنون على أن الزمن شديد الإنصاف مهما تمادى ظلم الأمكنة.. والأدلة كثيرة يحملها باعتباره (شيئاً) منساباً تسيلُ مادّته حتى تصل إلى نقطة الجلاء والضوء..

(ملحمة الأخدود – شعب النار والجنّة) إحد ما حمله لنا ذلكم الزمن المنساب بالمكان وبسورة من القرآن الكريم.

فلمْ يكنْ يعوزُها المكان ولا علمُنا به في نجران، ولا كتب التاريخ وفي مقدمتها الكتاب الخالد بسورة (البروج).أعوزها الزمان القابع تحت إراداتٍ دفينة من مؤرخينا وكتاّبنا وجهل بعض مسؤولينا، إذ لم يزالوا يرزحون تحت نير البحث عن تاريخنا في كتبٍ زبَرتها أيدٍ رائدة -حسب زمنها وما وصلها- لكنها من خارج المكان منذ بدايات تدوين التاريخ العربي بوقائعه ولغته وسياسته، فمن لم يوردْ منهم في بحوثه ورسائله ما قاله سيبويه عن لغة العرب فما يكتبه ليس بحجة، ومن لم يكتب ما قاله مؤرخو الإغريق أو مصر والشام والعراق عن عمق جزيرة العرب فليس بمرضٍ تلكم الإرادات التي حُمِّلَتْ ما لا تحتمله من عُقَدِ عدم الثقة في ذواتها وتاريخها ومؤرخيها الذين يتحدّثون عن أمكنتهم مباشرة دون حصر حقائق تاريخها على مؤرخين من هناك! ما كان يعوزها هي الهمم التي خرج بها مثقفو منطقة نجران وناديها الأدبي حتى طبعوا لنا قُبْلة ثقافية على جبين تاريخنا بإعادة تجسيده بلغة العصر الحية الفاعلة التي لم تعدْ تنافسها الكتب التقليدية. في (هوليكوست العرب) -ملحمة الأخدود- شعب النار والجنّة، لكاتبها المبدع (صالح زمانان) وصحبه من مثقفيها وأبنائها، ومخرجها الرائع (سلطان الغامدي) وأبطالها من أبنائنا (شباب يام وهمدان) في منطقة نجران خلال مهرجان قس بن ساعدة الأول، تجلّتْ لنا أمور لابدّ من قولها، منها:

– إن وطننا -إضافة إلى ما نعتد به من كونه مهد العروبة والإسلام- يحملُ قضايا ثقافية إنسانية راقية لنا أن نطبعها على مسرح الحياة الثقافية العالمية، بما تحمله عبر التاريخ من عبقٍ وقيمة تاريخية، وظهر ذلكم جلياّ من خلال الإبهار الذي قدّمتْ به المنطقة مهرجان (قسّها)، وشهده أميرها مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، ووسائل الإعلام، ونائب وزير الثقافة ومديرعام الأندية الأدبية وجمع من مثقفينا الذين أعلنوا صراحة بأن ذلكم العمل وضع أنديتنا الأدبية ومناطقنا في حرج أمام ما قدمه أولئكم، ولحظنا بعده محاولات جادة من قبلها لمحاولة الترقّي فيما تقدّمه انطلاقا من مهرجان نجران، وأذكر حديث بعض رؤساء الأندية عن مدى ما وصلت إليه أنديتهم من شعور بالحرج بعد رؤيتهم ما قُدّمَ هناك.

– إن من تلكم القضايا الثقافية العالمية التي حملها العمل: إظهارعكس ما رسمه مبدعو فكرة (الهوليكوست) النازية من محرقة تاريخية لليهود من قبل النصارى، فحقيقة التاريخ تحكي بنص القرآن -أن الهوليكوست الذي فرض متنفذو اليهود قوانين تجريم التشكيك فيه- حدثتْ من اليهود ضد النصارى المؤمنين، وهذه حقيقة يجب علينا ثقافيا إظهارها وتقديمها للعالم.

– إن فكرة (البعث) التي أبدع فيها كاتبها ومخرجها وأبطالها وجمهورها توقظُ فينا الحسّ المكاني بإنسانية إنساننا ومكاننا، حيثُ نفّذت المحرقة في مسرح الأخدود، ثمّ بُعِثَ المؤمنون بعثاً جديداً من كل جوانب المسرح بـ(زامل الأرض) متحدّين الحدث باتّجاهِ الحياة، وتلكم الفكرة هي هرم الإبداع في العمل، إذ تمّت المحرقة درامياّ ثمّ اتّجهَ العمل إلى فكرة بعث هذا الشّعب من جديد بزامِلِهِ الشهير مما أشعل المسرح وأوقف الناس احتراما وإجلالا للمشهد. ولستُ أدري أنضحَكُ على أنفسنا بوجودِ نقاّدٍ لدينا ممّنْ ملأوا المكتبات بقصّهمْ ولصْقهمْ من كتب الآخرين بين نقد ثقافي فأدبيّ فسياسي وغيرها من المصطلحات اللفظية الكتابية خالية الدلالات الحية، دون أن يستطيعَ أحد منهم الحديث النقديّ عن أهم عمل ثقافيّ قُدّم على مستوى الوطن،لأنهم قد لا يجدون له مراجع جاهزة يقصون منها ويلصقون!

– إن نائب وزير الثقافة الدكتور عبدالله الجاسر تحدّثَ معي خلال المهرجان مبديا أمنيته وأمنية الوزير(الذي كان في حالة استجمام بعد المرض) في أن تكون أسابيعنا الثقافية العالمية تحمل مثل هذا المستوى من الأعمال، بدلاً من اكتفاء الوزارة بمخزونها في المستودعات من صور لبعض القصور وبعض مجسمات الشركات، أو الاكتفاء بمجسم الكعبة المشرفة وساقي زمزم وفرقة شعبية مستهلكة معروفة لا تمثّلُ الشّعب، فالبلد مخزنٌ حيّ متجدّد للثقافة، والمبدعون كثر أكادُ أقول بأنهم خير من في البلاد العربية إذا مُنِحُوا الثقة من قِبَلِ وطنهم.. فما الذي يمنع وزارة الثقافة من تبنّيْ هذه الملحمة الموثّقة بسورة من القرآن وكتب التاريخ، التي أخرجتها (مدينةُ المؤمنين) عن تاريخها العبِقِ بالمكان والإنسان والأديان ومذاهبها الثريّة بالأحداث والتنوع، لتقديمها في أسابيعها الثقافية على اعتبارها عيّنةً غير مألوفة لدى العالم من ثراء وطننا، إذ مكةُ والمدينة أشهر عَلَمَيْن مكانيّيْن لا يجدُ فيهما العالم الخارجيّ سوى الجمال الروحيّ الذي تعبقان به وهو أرقى جمال، غير أننا نملك تاريخاً واسعاً ثرياً علينا استثماره ثقافيا من نجران إلى مدائن صالح إلى جُرَش إلى كل مناطقنا، ثم بقية المناطق المكتظة تاريخا.

زامل البعث:

قالتِ السِّدْرةِ اللِّيْ فوقَ قبرِابنِ ثامرْ

نــــارِ الاخدودِ برْدِ وْسَلامْ

يا رفاتٍ لجِداّنيْ على السَّيْلِ سامرْ

نجْمَةِ الصّبْحِ نادتْهمْ فلبّوا قيامْ
>

شاهد أيضاً

حالة الطقس المتوقعة اليوم الثلاثاء

صحيفة عسير _ واس توقع المركز الوطني للأرصاد في تقريره عن حالة الطقس لهذا اليوم …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com