رثاء الكتاب والقلم

درجات الحياة بأشكالها: هيام فوجدٌ فتعاشُق فحبّ فهجران.

والتقنية غيرت كل شيء في حياتنا. غزت جمالنا فصرنا نراه صناعة مزيّفة بيد الإنسان، وصار من شروط حبيبتك إجراء كل أنواع الزخرفة على تضاريس جسمها زخرفة جمالية تنكّريّة تتفنن فيها يد فنان ولم يعد لك خيار في من تحبه كما هو بفطرته الجمالية! لكنّ آخر ما كان يمكن إخضاعه لكل هذا هما العشيقان الخالدان: الكتاب والقلم.

والإنسان – بفطرته – وفيّ، كما أن الناس كلهم طيبون، لذا نرى الأمم لم تزل تحتفي بالكتاب وتقيم له المعارض رغم إيمان من يُعتدّ برأيه أننا في مرحلة أفول الكتاب التقليدي طالت المرحلة أم قصرت. كم أشعر بالحنين إلى رضاب القلم! وكم نحنُّ إليه وهو يلثم خدّ صفحة بيضاء ليطبع عليها ماء العقول ورحيق القلوب الدافئة حياةً وفكرا وجمالا!.

أعجبني كثيرا احتفاؤنا بالكتاب، سواء كان من أجله وأهله، أم من أجل ذكراه وما قدّمه ولم يزل، لكنه أثار فيَّ شجون الفراق وأنا أتعهده بوقتٍ قد ألتقطه من بقايا بدائله (الإنترنت) والتلفاز وأجهزة الهاتف النقال! حنيني إلى رفيقَي العمر (الكتاب – القلم) هو ذات الحنين الذي يكابده العاشقون الذين كُتب عليهم العشق وفرضَ عليهم الفراق.

لقد بقي منا مخلصون للقلم ورفيقه، لكنه من باب التعوّد أكثر منه حاجةً فعلية، فالأكثر صار ينكفئ على (الكيبورد) أو صفحة الهاتف الجوال بدلا عن انكفائه على كتاب بقلم، وهي مرحلة سوف تتطور حتى انعدام الاثنين، وقد كنت قبل فترة وجيزة أسلي نفسي بأن التقنية لن تغنينا عن الكتاب التقليدي حتى رأيت معاجم اللغة والتفاسير وطرائق عرض القرآن وكل أمهات الكتب تنزل أمامي برابطٍ أو جملة أو كلمة تُطْلَب من الجهاز، عندها آمنت أن العشق مهما طال عمره وأمده إلى تحوّل، فهو عشق لكنَّ عشق قيس وليلى غير عشق (تيتانك)! سيكون الكتاب التقليدي – يوما ما – مجرد عرض أثري جمالي تاريخي مقدّس كمحراث أبي ومِطْحَنةِ أمي. فماذا عملناه لاستباق تلك الحقبة القريبة وخصوصا أننا وصلنا للتو إلى احترام الكتاب التقليدي عند قرب أفوله؟ وهل نصرّ على أننا رقباء على كل ما يعتقده ويقوله البشر ونظل نمنع ذلكم الكتاب الذي يعتبرُ مجرّد طعم للكتاب الحديث المُطلق الذي سينطلق قريبا؟

الشيء الوحيد الذي عزاَّني في فراق الحبيبين هو: أن التقنية أجبرت الناس جميعا على القراءة بعد أن كنا نعاني من الأمّيّة القرائية. >

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com