عسير وحلمٌ حضاري

وصل إلى أمير منطقة عسير فيصل بن خالد منذ زمن مشروع حيوي ريادي أقره مجلس المنطقة وهو: نفق يربط بين شرق المملكة وغربها بطريقة حضارية راقية بالنظر إلى الجدوى والأهمية والضرورة..هذا المشروع هو ربط الجزء السروي والصحراوي بالتهائم عن طريق نفق من مدينة أبها عبر محافظة رجال ألمع بعد أن اقترحه وعرضه محافظ رجال ألمع ومجلسها المحلي. وفي انتظار خط سير هذا المشروع بين إمارة المنطقة وجهةِ اتجاهه، أود أن أوضح ما يلي: أولاً : المشروع يُعد استراتيجياً من عدة نواحٍ يفرضها الواقع.فمن الناحية الخدمية الاجتماعية هو يصل بين مدن وقرى السروات والهضاب الشرقية والصحراوية التي تمثل القسم الشرقي للبلد ومنطقة تهامة الممثلة للقسم الغربي وسواحلها، بحيث يستغني الناس عن اقتحام وصعود العقبات التي يذهب ضحيتها كثير منهم، ولضرورة مشاتي التهائم ومصائف السروات والعلاقة الاجتماعية بينهم. ثم إن الهجرات التي يتسبب فيها البُعد التضاريسي الجبلي العاتي بعقباته الصعبة سوف تقل مما يحافظ على حياةٍ في الأرياف التي بدأت تضمحل بل وتنقرض بسبب هذه الهجرة، حيث سيستطيع الموظف والطالب وغيرهما الانتقال خلال يومه بين هذه القرى والمدن دون الرحيل الكامل من مكان إلى آخر بما يسببه من قضايا الإسكان والضغط على المدن الشرقية كمدينة (أبها) التي لم تعدْ تتحمل قاطنيها فضلاً عن الزيادة المتوقعة.. ثانياً:على مستوى الخدمات والأمن الوطني:

لقد مرَّ الجيش بتجارب عديدة خلال انتقاله من الجهة الشرقية إلى غرب البلد بحسب متطلبات الأحوال والمواقف، وآخرها تجربته الأخيرة خلال انتقاله إلى منطقة جازان عن طريق عقبة (ضلع) المشؤومة التي أثبتت-آنذاكم – أنها لن تتحمل كثيراً من الآليات، وقد شاهدنا بأنفسنا آليات الجيش المعطلة على جوانب ذلكم الطريق الجبلي الوعر الضيق الذي عانت منه المنطقة أربعة عقود وأثبت عدم جدواه مهما بُذل فيه من أموال بالمقارنة مع إمكانية البديل عن طريق فكرة هذا النفق وأمثاله، وليس هناك حل ناجح للوصل بين الجهتين سوى بمثل هذا النفق..كما أن الإسعافات التي تضطر دائماً إلى نقل المرضى والمصابين من مشافي تهامة إلى أبها أو مطارها تضطر إلى التّلوِّي الصعب عبر العقبات، وكم من حالة إجهاض وموت و..و..حدثت فيها وهي في طريقها إلى مستشفى عسير المركزي أو القوات المسلحة بخميس مشيط، وكل هذا بسبب وعورة الطرق التي لم تعد تستوعب الحياة بعد الانفجارات السكانية والخدمية والحاجيّة..

ثالثاً: النقل في البلاد مقبل على نقلة نوعية حتمية على المدَيَيْن القريب أوالبعيد، فقد سمعنا عن مشروع سكك الحديد في النصف الشمالي من الوطن الذي لابدّ للجنوب يوماً، وإن طال من أن يدخل ذاكرة المخطّط لهذا المشروع ويتذكّرُ نسيانه خلال التخطيط، وسواء استطاع المخطط تنفيذه قريباً أم بعيداً، فسيكون هذا النفق مفيداً ضمن شبكة سكك الحديد مستقبلاً فيما لو نُفذ بطريقة تحترم المستقبل واحتمالات تطور شبكة المواصلات المأمول أسوة بأقطار العالم..

رابعاً: سيكون المشروع حيوياً لشبكات مياه الشرب من البحر الأحمر مستقبلاً، ولخطوط الكهرباء والهاتف وغيرها من الخدمات..

وأخيراً: ليس هناك من لا يرى ضرورته وجدواه..ترى:أين اتّجه إدارياّ ؟وما هو عذر من قد يرفضه أو يؤجله لا سمح الله؟وهل تستطيع الوزارة عند وصوله إليها أن تستوعب أنه مشروع سهل في تنفيذه مقارنة بحجم الأهمية التي سيمثلها؟

ولو أمكن توجيهه مباشرة إلى الجهات الأعلى قبل وزارة النقل لكان أولى، وكانت متابعته مباشرة من قبل أمير المنطقة بعد أن اتضحت له الصورة الكاملة أكثر من غيره، وهذا سينقذ وزارة النقل من مشكلة تاريخية عشَّشَتْ في أقبيتها من ضعف التصور تجاه مشاريع بعض الجهات من الوطن ومدى قدرتها على التوجه إلى كل الجهات الأربع بدلاً عن التقوقع على أماكن تحولت إلى أراض إسفلتية حتى كاد الإسفلت فيها أن يطغى على التربة، بينما يعاني الناس في مناطق جنوب الوطن من العقبات الكأداء والأودية السحيقة المدمرة وضعف الصلة من الطرق كمّا ونوعاً، مما يجعلنا نتفاءل بمثل هذا المشروع لأنه سيفتح عيوناً أقفلها الزمن تجاه هذه المناطق، ويوقظ حالة الركود الشعوري للمخططين في مجال النقل.. لقد قام المحافظ ومجلس المحافظة ومجلس منطقة عسير بدورهم – كما سمعنا آنذاك- في تصور هذه الفكرة ورسم الحلم، وجُسّدَ بين يدي أمير المنطقة ليبحث عن اتّجاهه الأمثل كي يتحقق، هل توجيهه إلى الوزارة قادر على تحويله من حلم شعب إلى واقع، أم إن توجيهه إلى القيادة العليا ومتابعته أولى نظراً إلى أنه استراتيجي ضروري أكثر منه خدْمياً اجتماعياً تَرَفياّ؟ وأن النظرة الاستراتيجية قد تكون لدى الجهات العليا خيراً منها في وزارة مباشرة لا تنظر سوى بمنظور مجالها التقليدي المحدود على جهات بعينها حتى أنها لم تعلم أوعلمت وتجاهلت ما يعانيه طريق الساحل الدولي جدة- اليمن وعمر التنفيذ المزري فيه. ثم إن الوصل بين أقاليم تهامة والسروات والصحراء، أو وصل سواحل البحر الأحمر بتلك الجهات أمر لا ينبغي النظر إليه إلا بمنظور أنه سيحدث تغييراً إيجابياً على مستوى الوطن وليس مجرد اعتماد طريق أو شارع! ويبقى السؤال المشروع: هل هناك متابعة له من المجلس المحلي وإدارة النقل في منطقة عسير؟
>

شاهد أيضاً

الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة

صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل :  انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com