تجربة الانتخابات التي مرّتْ بها الأندية الأدبية في البلد من أثرى التجارب مقارنة مع غيرها من بلديات أو مؤسسات أو جامعات. ذلكم أنها أولاً تلامس شريحة حساسة في مجتمعنا وهم المثقفون الفاعلون، ولأنها أبلغ أثراً من غيرها في ترسيخ مفهوم الانتخاب وتقبّل نتائجه بحضاريّة ورقيّ في مجتمع لمْ يتعوّدْ على تقبّل الهزيمة كأمرٍ إيجابيّ، بل يتحوّلُ بعض المرجوحين إلى معانين نفسياً يصعبُ التعاملُ معهم.. تأسست الأندية بمبادرات رواد معروفين طلبوا أن تكون للأدب قنواته المشروعة، ونجحوا إلى حدّ كبير لا ينكره سوى جاحد أو جاهل.. كانوا -حسب المتاح- يعتمدون فردانية الشخصية القادرة الفاعلة، ونجحوا أيضاً.. ثمّ تشكّلتْ وزارة جديدة للثقافة والإعلام (بعد تبعية الأندية لرعاية الشباب زمناً لأسباب كانتْ معروفة وقتها)، وتعرّضت هذه الوزارة إلى مطالبات شديدة واعية من الأوساط الأدبية بمحاولة تطبيق الممكن من استبدال الفردانية بالجماعية، أو قل: (بالفكر الديمقراطي)، حتى وصلت إلى لائحة جديدة اعتمدت في صياغتها على أسماء مؤمنة بكلمة (ثقافة) أكثر من إيمانها بمصطلح (الأدب)، بل تتعدد اهتماماتهم ومجالاتهم، حتى وقعت ورطة مصطلح (المثقف)، الذي لا يمكن حدّه حدّاً علمياً حاصراً قاصراً، حيث عرّفها (إدوارد تايلور) بأنها:
ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع)، انظر في هذا كتاب: ثقافة الفقر، للدكتور: محمد حسن غامري، منشورات المركز العربي ص27 وما بعدها.
ولو كانت لدى جهاز الوزارة إدارة قانونية راصدة للمصطلحات، قادرة على المتابعة، يمكن الرجوع إليها كلما عنّ قرار، بعيداً عن الارتجال أو تشكيل لجان ثقافية آنيّة تخضع للتوجّهات أو المفاهيم الفردية، لأنّ كلاً يرى نفسه مشمولاً بمصطلح (ثقافة)! ولأننا نشعرُ الآن بورطتها (حتى وإن كان ضميرها الجمعيّ غير قادرٍ على إدراك هذا) أمام لائحتها التي أتاحتْ لكثير من غير أهل الأدب اقتحام لجان الأندية العمومية، مماّ تسبّب في ما نسمعه من تدنٍّ في مستوى التعامل والأساليب بين أعضاء الجمعيات العمومية في بعض الجهات. وسأثبتُ بأنّ الروّاد الأوائل قد صَدقوا تجربتهم وكتبوها وقالوها على المنابر، غير أنّ الوزارة الموقّرةَ –كما أسلفت–لا تملك جهة قارئة قانونية راصدة لمثل هذه التجارب المهمّة الصادقة ولا حتى التحاور وإياها، لتكون مرجعاً تفيدُ منه الوزارة في تقنيناتها التي لابدّ منها لتأسيس ودعم المناطق في ترسيخ مفهوم الانتخاب، على أساس أنّ هذه الأندية تختصّ بـ(فئة ثقافية) من المجتمع، لا بكلّ ثقافته، ومع كل حبنا لكلّ أهلنا من ذوي المجالات الأخرى التي تدخل تحت مصطلح (ثقافة) كالطب والتاريخ وعلم النفس والاجتماع والإعلام.. ولهذا، سأستأذن الأستاذ الرائد: محمد بن عبدالله الحميّد، رئيس نادي أبها الأدبي سابقاً، في نشر معظم توصياته التي سطّرها بتجربة الخبير الرائد الصادق، ضمن زاويته في صحيفة (الوطن) بتاريخ:3/4/2011، كما وردت، متمنياً أن تستطيع جهة مسؤولة في وزارة الثقافة قراءتها ومحاولة افتراض تطبيقها مجرّد افتراض، والتساؤل: لو كانت أخذتْ وأمثالها بعين الاعتبار، هل سنسمع عن شيءٍ مما سمعناه من زحام بعض أرباب الثقافات والمهن الأخرى على أبواب الأندية وقوائم جمعياتها العمومية؟ يقولُ أستاذنا محمد الحميد:
• عدم إدراج العضوية بالجمعية العمومية إلا للمبدعين شعراً ونثراً لمختلف الأعمار.
• الحفاظ على مسمى (الأندية الأدبية) كما هو في اللائحة معنى ومبنى، وعدم الخلط بينها وبين الأنواع الثقافية الأخرى التي تحظى بجمعيات خاصة مثل (الصحفيين والمؤرخين والمحامين والمصورين والتشكيليين والمسرحيين) وغيرهم، على اعتبار أن كل أديب مثقف وليس العكس.
• تظل (الأندية الأدبية) حاضنة للغة العربية الفصحى ومأوى للشعراء وكُتّاب القصة والرواية فقط.
• يُخصص كل نادٍ مليوني ريال لصندوق الأديب لأعضائه المحتاجين للدعم والمساعدة، مع تغذيته على الدوام بالتبرعات وما يتوافر من ميزانية النادي كل عام.
• الحرص على تواصل الأجيال والاحتفاظ بمنجزات (الأندية الأدبية) منذ تأسيسها والتذكير بها عند اللزوم، فالحضارة نتاج تراكمي بمر السنين.
• تأكيد الترابط بين منسوبي الأندية وتبادل الزيارات والملتقيات لتوثيق عُرى الأخوة بين أبناء الوطن الواحد.
• إثبات وجود الأندية في معارض الكتاب والمؤتمرات الثقافية محلياً وخارجياً.
• الحفاظ على استقلالية مناشط الأندية وصفتها الاعتبارية التي نصّت عليها اللائحة الأساسية.
• التأكيد على أحقية الأديب بالعضوية ولو لم يحمل مؤهلات أكاديمية، ولنا في عملاق الأدب العربي (عباس محمود العقاد) المثل المحتذى.
• تنزيه الأندية الأدبية عن (البيروقراطية) لأنها -منذ قامت- مؤسسات أهلية مدعومة مادياً من الدولة دون التدخل في مناشطها وشؤونها الأدبية التي ينبغي أن تظل بحدود الحرية المنضبطة.
• يُطلب من (وزارة الثقافة والإعلام) تعديل مسمى (الإدارة العامة للأندية الأدبية) إلى (الأمانة العامة للأندية الأدبية)، لانسجامه مع واقع حال اللائحة والشخصية الاعتبارية للأندية الأدبية.
• يُخصص كل نادٍ أدبي (منتدى) للمتقاعدين الأدباء الرواد، توفر به الصحف والمجلات والخدمات الإدارية الأخرى، ولا تمنح بطاقة عضويته إلا للمستحق لها فعلاً. (وهذا ما قام به أستاذنا فعلاً ولم يزلْ من أبرز مناشط نادي أبها).
انتهى المقتبسُ من رأيه، فهل يستطيع الأحبّةُ في وزارتنا قراءة هذا، ومقارنته بمأزق الوزارة غير المبرّر الذي يشعر به أهل الأدب في الميدان إن لم تكن هي تشعر به؟ وكيفما كان أسلوب الانتخاب عندما يكون بين فئةٍ متجانسة، فلن نكون سمعنا عن بعض الهبوط الأسلوبي غير اللائق في بعض جهات الوطن.>
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …