تنويه:
خذوا هذه الاعترافات ممنْ عرفَ أنّ هناك شيئاً يسمّى (مسكّناً للصداع) واسمه (نوفالجين) في الصف الثالث المتوسط في معهد أبها العلمي، وأزيلت أسنانه اللبنية بواسطة (زرَّاديّة) كان شيخ القرية وأهلها يطلقون عليها(كلبة)، وكانوا يداوونه من كثير من الأمراض بالكيّ، وقد وقف بنفسه على أعظم شباب قريته واسمه (قاسم) مصاباً بحالات نفسية وعصبية، وقف على دوائهم إياه بالكيّ على أعلى الرأس حتى احترق الدماغ، وأشهد الله أنني حتى الآن أذكر رائحة الشواء وأستحضر صراخ الرجل العظيم..
خذوا هذه الاعترافات منه أمام ما أنجزَ في وطننا من المستوى الصحّيّ وما بذلَ في ذلكم، وخذوا أيضاً محاولاته الحكم والمقارنة بين ما بُذلَ وبين مُخرجاته..
ولكنْ:
خذوها أيضاً ممّنْ لا يجدُ اليوم لمريضه سريراً في مشفى عسير المركزي الذي يخدمُ ستّ عشرة محافظة ينتظرُ مرضاها ممّن حالفهم الحظّ بوصولهم إلى قسم الطوارئ أياماً، وعلى المرضى أن يعيشوا حتى تتحقّقَ خططٌ موضوعة ومشاريع تحت التنفيذ يتفنّنُ المقاولون في حيل تعطيلها للبحث فيها عن زيادات، ففي محافظتِيْ (ألمع) مثلاً هناك مشروع مأمول تنفيذه وعلى المرضى أن يعيشوا في مبناهم (الحسنة) الذي بناه محسن حتى يَهديَ الله المقاول يوماً ما وينفّذُ مشروع مبنى الوزارة..في هذه الأجواء، بدأت وزارة الصحة بالإصلاح الإداري باختيار الأستاذ الدكتور الخلوق /إبراهيم الحفظي، الذي يدعو له كل الناس بالتوفيق في صعوبة السباق مع الكثير الكثير مما فات..
حقائق:
لنا أن نقول حتى الآن: إنّ ما وصلتْ إليه وزارة الصحة من مستوى الخدمات يثلجُ صدرَ أمثالِ صاحبكم بناءً على ما أشار به إليكم من منطَلَقِه الصحّيّ منذُ زمن(النوفالجين) وإحراق دماغ ابن عمّه العملاق علاجاً..غير أنّ صاحبكم قرّر اقتناص ما وجده عائقاً خلال تجربة مريرة له مع أحد مشافي منطقة عسير كأنموذج وهو مشفى(أبها العام)،وقد يكون هذا عيّنَةً صالحة لنقل تجربة التعامل معها نظراً إلى تميّزه الفعليّ..
يستقبلك هناك رجال صدقوا ما فَطَرتْهم عليه شيمُ أرضهم وأهلهم وآبائهم:في الإدارة وفي المعامل والمختبرات وكل أقسام المشفى ..أطباء وطبيبات محسودون غبطةً على درجة ارتباطهم بمهنة الإنسانية الأولى التي لا يمكن أن يستوي مقابلها الماديّ بها مهما كان، لتصلَ إلى أقسام التمريض التي تقف أمامها كثيراً، فهي القلب النابض التنفيذيّ الحقيقيّ لكلّ مخرجات ما يبذلُ مادّياً وبشرياّ على ما نودّه جنّة مرضانا ونسائنا. فما نسعى إليه ونشرُفُ به من سعْوَدَةِ هذا المجال تحقّقَ بنسبة معقولة، بحيثُ شاهدنا من بناتنا من يعملن بشرف في هذا المجال، غير أنه لا بدّ لك في مكان يجتمع فيه ممرضات الفلبّين والهند وممرضات بناتنا من مقارنة يتّضِحُ فيها بينهن فرق الولاء والتفرّغ النفسيّ والإنساني للمهنة ودرجة القناعة بها.ولن تغضبَ عليّ بناتنا إذا حاولتُ تشخيص حالتهن، فهنّ ناتجٌ ومُخرجٌ اجتماعيّ وتعليميّ ليس غريباً علينا ونحن المسؤولون عنه، أما الاجتماعي فلأنهنّ متأثراتٌ بشكلٍ واضح وطبَعيّ من قضيّة عزل المرأة الذي طرأ على مجتمعنا منذ عقود إلى درجة أن العاملة في جوّ المشافي تتأثّرُ نفسياّ بتلكم الخلفيّة، وتحسبُ كلّ صيحة عليها كلما كان عليها أن تظهر أوْ تُناقشَ في عملها، وهذه قضية يعانين منها وتعاني منها إدارات المشافي، ولا علاج لها سوى بتمام العلاج الاجتماعي للمجتمع الذي بدأت عليه علامات التعافي من ذلكم البُعدِ الاصطناعي الذي ضُربَ عليه بين الجنسين،إضافة إلى صعوبة مفهوم الخدمة لدى بعضهنّ تأثّراً بمرضنا الاجتماعي السائد: المرأةُ تُخْدَمُ ولا تَخْدِم ..لكنّ المعضلةَ التي لحظتُها تصلُ إلى الأخطر عندما تجد ضعفهنّ في دقّةِ الالتزام بما يقرره الأطباء لمرضاهم ومريضاتهم، فالطبيب يكتب رأيه في ملف القسم، والتمريض هو من ينفّذ ما تقرر وبدقّة المطلوب، وعندما تمضي ثلاثون ساعة على المريض بين ما يجبُ أن يعطى من الدواء وبين انتباه المريض بنفسه إلى أن الطبيب قرر له هذا الدواء، ثم يجد التمريض حجة أنه لم يستطع قراءة الدواء المكتوب رغم وجود الطبيب وغيره في المشفى، فهذا يدعو إلى التساؤل عن مدى الولاء للمهنة والإنسانية..أما أمرُهنّ- كمُخرَج تعليمي – فأرجو أنْ يتكرّمَ القارئُ بإعفائي من تفصيله بحيثُ يؤمنُ معي بأن مخرجات تعليمنا عالِيْةِ وعامّة وفي كل الوزارات بما فيها المعاهد الصحية لا تتناسبُ مطلقا مع مسمياتها ولا مع جزء مما بُذلَ في سبيلها، ولذا نجدُ المؤسسات الكبرى تملك مراكز للتدريب والتقويم ومن ضمنها المشافي الرئيسة،غير أنّ هذه المراكز لم تؤدّ المقصودَ النظريّ للمخطِّط من وجودها، إذْ أتمنى على الجهات ذات العلاقة في وزارة الصحة تحويل هذه المراكز إلى أماكن فاعلة للأطباء الجدد والممرضين والممرضات، بحيثُ يؤخذُ بعين الاعتبار أن كل المتخرجين يجبُ إعادة تدريبهم مهنياً بشكلٍ مكثّف، وإنسانياّ بما يمكنِّهم من تحقيق فكرة الولاء والإخلاص لهذه المهنة التي لا ينبغي أن تكون مجرّدَ مصدر عيش مادّيّ بل يستطيع معها المتدرّب استيعاب فكرة العيش المعنويّ والإنساني، وهذا يقتضي أن يكون المدرّبون والقائمون على هذا ممنْ آمن بمهنته إيماناً يصلُ حدّ الولاء ومن ذوي المستويات الحقيقية التي لا تقاس بالشهادات الشكليّة، وألاَّ تكون هذه المراكز للتقويم بمقدار ما هي إعادة تأهيل، وهذا هو الحل الوحيد لكل جهة لا بدّ لها من توظيف المتخرجين في مجالها: إعادة التأهيل بدورات مركّزة تعيد تعليمهم المِهنيّ.>
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …