"الحِجْر" وحَجْر السياحة

(ألا ليتَ شعري هل أبيتنّ ليلةً.. بوادي القرى إنّي إذنْ لسعيدُ).. مجرد الإطلالة على وادي القُرى، يكفي لانتشالك من قريتك الجديدة الصاخبة (العالم) ذات الصبغة المختلطة من كتل لحمية بشرية غريبة وأجهزة تتجه إلى أنْ توظف الإنسان هي بدلا عن توظيفه إياها.. تطلّ على وادي القرى فترى الأرض لا بدّ لها أن تحكي حضارةً لو تكنْ لكان عليك أن تبحث عنها بشكلٍ أو بآخر.. لا تملك سوى الضعف والتأمل والتدبر أمام سموق عجيب في كل شيء، سموق في الجبال، وفي النخل والجنات، وأودية تنبئك مسبقا عما في حناياها من حضارات غابرة لم تغادرْ كغيرها أو تنقرض دون أن تترك بصماتها على هذه الأرض متحدِّية أزمنة الدمار التي ترودها يد الإنسان أيضا تارة بالهدم المباشر وأخرى بالإهمال.. وما تلبث أن تغادر مشاعرك إلى التوغل في (الزَّمَكان) الخاص المتفرد بمجرد أن يُسمح لك من بوابة الدخول بولوج زمن ومكان (ثمود) و(الأنباط) ومرابع عشق جميل بن معمر العذري وبثينة..

ثمود والأنباط قصّتان لنوع من صراع الإنسان مع حكاية البقاء والعدم هناك، يختلط فيها الإبداع بالقوة، ويطرح أمامها مئات من الأسئلة، وتنثال عليك سيول النصوص ومفاهيمها..

مدن الجبال المنحوتة عبر تاريخ الإنسانية تحتاج إلى قراءات جديدة من الواقع، والنصوص التاريخية تحتاج إلى قراءتها مع هذا الواقع.. ميثولوجيا المكان تنبئ عن قيم، فجبل البنت وأسطورته يحتاج قراءة، وقبور القوم المنحوتة تحتاج قراءات، وجيولوجيا المكان وعلاقتها بالتاريخ كذلك..

وادي القـرى.. مدائن صالح.. الحجر.. (العلا)، قل ما شيت، لكنك ستصحو بعد رحلة الأحلام هذه بمجرد أن تمسك بمقود سيارتك للمغـادرة لتطرح بعض أسئلتك المشروعة:

نفس الحضارة والنّمط من ديار خلفاء ثمود (الأنباط) توجد في مكان آخر وبحجم أقل بكثير وتأخذ حقّها من البعد العالمي والداخلي السياحي بشكل خيالي، بينما نحن الآن في أجمل أيام العلا مناخيا – مقارنة بالصيف – وتجد هذه المآثر خالية من الزوار، وتوجِّهُ السؤال إلى المهموم بالسياحة هناك المصور الجميل (حامد السليمان) وإلى الشاب المتحمس لثقافة السياحة في المدينة المنورة (شادي القحطاني وأخويه عبدالله وشاكر) فيجيبونك بالشكوى والتألم مما يعانونه من نظم السياحة عندنا، فتناقش والدهم المثقف والشاعر الكبير صاحب وكالة السفر والسياحة أحمد عبدالله القحطاني فتجد لديه مجرد آمال أن قضايا السياحة عندنا تأخذ شكلا متدرجا وإن كان بطيئا، فيبقى سؤالك في الحلق: لم البطء، ولم التجاهل أصلا لتواريخ الجزيرة التي نجزم بأنها تملأ كتب التاريخ نظريا؟ ما مصدر (الفوبيا) التي نعاني منها أمام الزائر السائح الأجنبي، وما الفرق بين سياحة الحج والعمرة وسياحة الثقافة والتاريخ من الناحية المدنية والاقتصادية؟ ولماذا تعقِّد الهيئة العليا للسياحة منح التأشيرات للسياح الأجانب الذين يرغبون بكثرة في رؤية مآثرنا وفي هذا إثراء ثقافي واقتصادي نحتاجه؟ وهل مدائن صالح (الحِجْر) و(خيبر) و(أخدود نجران) سرٌّ في المكان لنحافظ على سرّيّته وليستْ أسرارا في النصوص المعروفة لكل العالم؟

في بوابة الدخول يجري التأكد من أنك مواطن ولستَ أجنبيا، فسألتهم ماذا لو كنت مقيما مثلا؟ أجابوا: لابد من تصريح خاص، وحين قابلت أحد إخوتي من مصر ويعمل في وكالة السفر آنفة الذكر سخر مني قائلا: (أماّ تيجي مصر مشْ هاخلّيك تزور الهرم وتشوفو إلاّ بتصريح خاص)! السؤال: ما المانع من السماح للأجانب بالسياحة العامة في البلد بفتح المجال للتأشيرات بسهولة ومرونة كي نتيح المجال للعالم برؤيتنا والحديث عن ثقافتنا بحرية، وخلق وظائف ومصادر وطنية للعمل الراقي لأبنائنا في هذا المجال؟

أما الخدمات حول هذه المآثر فحدّثْ ولا حرج! حيث يتبع ضعف الإقبال الناتج عن سلبيتنا في فتح المجال لأهل الترويج الثقافي السياحي، يتبعه شبه انعدام لهذه الخدمات، فلا تجد أمام مدائن صالح شيئا منها على الإطلاق! حتى إن إدارة النقل بالمدينة المنورة أسهمتْ بدورها في مجالها، فالطرق المؤدية إلى العلا تُشكى حالتها إلى الله عله يسخِّرُ هذه الإدارة لتذكرها، والمؤلم أن هذا يشمل حتى اللوحات الإرشادية، وعليك أن تقف بعد كل عدة كيلو مترات حتى تسأل من وجدته: هل أنا في طريق العلا؟

ومنطقة كالمدينة المنورة تحوي بعض أرقى مآثر الدنيا ينبغي ألا تنكفئ على المنطقة المركزية متناسية بقية محافظاتها بما تشمله من عبق اقتصادي وثقافي واجتماعي راق.. أقول قولي هذا وأرجو أن ندرك – هيئةَ سياحة ومسؤولين- عمليا أننا وطن ليس سراّ.

* أديب وكاتب سعودي>

شاهد أيضاً

حالة الطقس المتوقعة اليوم الثلاثاء

صحيفة عسير _ واس توقع المركز الوطني للأرصاد في تقريره عن حالة الطقس لهذا اليوم …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com