تَسْتَوقِفُك بضع جرائم محلية عند جزئيات محددة فيها، كالجرأة في التنفيذ، والتخطيط المحكم، وانتقاء الزمان البعيد من المتابعة، والمكان الذي تَكْبُر فيه الحصيلة، يأخذك – لحظتها – شعور مبدئي بأن العقوبات المطاطية والمرنة هي من يدفع جيلاً مجنوناً نحو ارتكابها بعد دراسة متقنة، وقراءة دقيقة للمساحة التي يعتزم «الُسرَّاق» التمرغ فيها.
تابعت مقطعاً موجعاً لعصابة مراهقة، وهي تسرق بكل هدوء وثقة خزانة حديدية لمعرض سيارات في مدينة الرياض بعد أن أوسعت الحارس ضرباً كي يحلو لها الجو، وتمارس ما تشاء من جرم علني وسلوك يستحق أن يدرس ويبحث جيداً قبل أن يشرع في العقاب.
المقطع شاهدته منذ زمن، وفضحته مواقع التواصل الاجتماعي، لكني لم أذهب للحديث عنه ولا الشروع في شيء من تفاصيله، لأن رؤوسه والمنتميون للجريمة بالفعل والتخطيط في خانة المجهول، وهي الخانة التي لا تمكننا من التحدث مطلقاً، لأن التفاصيل في يدٍ أمينة وهي قادرة على فك أي لغز إجرامي وإحضار المتهمين لطاولات التحقيق.
بالأمس انتهى اللغز وأحضرت الأجهزة الأمنية «الحرامية» الجدد، وخماسي الإجرام، في إنجاز جديد لجريمة شاهدناها بالثانية والدقيقة، وكنا نحترق من أجل ألا يتوقف المشهد عند لحظة خلع قفزات اليد، بل نريد أن تحضر الأيادي والأجساد وعناصر الجريمة بالكامل، الجريمة في كيفيتها، والمجهود الوقتي المبذول لإنجازها، وتوثيق الكاميرا لها استثنائية ربما، ولكن الجريمة بالمجمل لن تكون الأخيرة، ولو سئلت لماذا؟ لقلت: لن تكون الأخيرة ونحن نستنزف الجهود والقدرات في قصص البحث والتحري والضبط، ثم نفاجأ بالسارق بعد شهور يسيرة يمرح ويسرح في الميدان لتأخذه رفقة السوء، «والبلطجية» الهواة لتأدية مهام أخرى، وابتكار جرائم مختلفة قد تكون أكثر مجازفة وأبلغ أثراً لينتشر معها الفزع الاجتماعي، وتُنْهَك الجهات الأمنية، وتصبح شوارعنا بمثابة ثكنات عسكرية، ونضع من ضمن أساسياتنا المقبلة تركيب كاميرات مراقبة لتختصر مشوار الاستقصاء وتتبع أفراد أي جريمة.
لن تكون الجريمة الأخيرة ونحن نكتفي باحتساء الألم والخوف عند قراءة الأخبار وجرائم السطو وعصابات الإجرام من دون أن نرتاح ولو لمرة واحدة بإعلان الأسماء والعقوبات، والتشهير بالمنتمين للعصابات الخطرة تلك التي لن تفرق لحظة الجريمة بين إنسان وإنسان.
لن تكون الأخيرة والقصة برمتها للمجتمع القلق الفَزِع تتوقف بالضبط عند سطر الإحالة للجهات المختصة لاستكمال التحقيق، تفاصيل ما بعد التحقيق لا بد أن نعرفها لأنها ستصنع اطمئناناً بأن العقوبة تتوازى مع الجريمة، وستكون درساً مجانياً لشباب قد تدفعهم لحظات طيش للانضمام لوحل عصابة، أو مستنقع جريمة، لتنبه عضلات التفكير لاستذكار قصة مجرم سابق وعقوبته الشهيرة.
المراوغة وتغليب الشفقة أو الرحمة على المجرمين الصغار عند ارتكابهم جرائم من الوزن الثقيل يدفع ناشئين جدداً لمجرد التجربة وقد ترتفع التجربة مع ضعف المحاسبة إلى حال من الإدمان المتدرج، ونصبح متفرغين لفك لغز قضايا السرقات وعصاباتها المتلونة، فيما كان بالإمكان إيقاف نموها بتطبيق العقاب الشرعي، ولو في جريمة واحدة، مع احترامي وتقديري لمجتمع يبرر دوافع الجريمة بمبررات لا مساحة كافية للمضي إليها، لكن ما يجب استيعابه أن المجرم الصغير يوماً سيكون كبيراً، والجريمة الكبيرة لا تُؤدى إلا من مجرم كبير.>