ليست حياة الناجحين إلا محطات مؤلمة من الفشل توصلهم في نهاية الرحلة لمحطة النجاح النهائية التي يحتفظ بمجدها التأريخ !!
و النظر لإنسان أي إنسان نظرة آنية و الحكم عليه بالفشل هو عين داء المجتمع , فالحياة ليست يوماً واحداً فقط .
هل سمعت بالعالم الأميركي الشهير جون ناش الحاصل على جائزة نوبل في الرياضيات عام 1994 رغم كونه مريضا بمرض الفصام الإرتيابي والذي ظل يدخله للمصحات العقلية و يخرجه منها مدة لا تقل عن عشر سنوات !!.
ترى لو كان كان جون ناش سعودياً كيف ستتعامل معه جامعته ؟؟
هل ستعتبره إنساناً موهوبا و عبقرياً أم ستصدر قرارها بعدم صلاحيته للبحث والتدريس ؟؟؟؟
هل كانت ستسمح له بالتنقل من قسم لآخر بحثاً عن تحقيق ذاته أم ستقف البيروقراطية و مجالس الأقسام و الكليات أمام عبث رغبته ؟؟؟
و أيضاً لو كان جون واحداً منا فهل سيؤمن بذاته وقدراته حتى يحوز نوبل ؟؟؟؟
و لو كان جون ناش سعودياً فهل سيوقن أن الحياة محطات من الفشل لا ينبغي التوقف عندها كثيراً للوصول لمحطة النجاح النهائية ؟؟!!
و لو كان ناش واحداً منا فكيف سننظر إليه غير كونه مجرد إنسان معتوه لا يستحق فرصةً ثانية ولا حق التفكير بطريقة مختلفة !!!
لكي نتمكن من الإجابة علينا أن نقرأ قصة حياة جون فوربس ناش المليئة بالألم و المرض والفشل و النجاح إنها قصةٌ تبعث الأمل و التفاؤل لكل متوقفٍ اضطراري عند محطة الفشل .
بدايةً , التحق جون ناش بمعهد كورنيجي التقني آملا في أن يصبح مهندساً كهربائياً كوالده و لكنه تحول من الهندسة إلى الكيمياء ومن ثم إلى الرياضيات مع مادة اختيارية في الاقتصاد إذ نما لديه شغف كبير بالرياضيات ونظرية النسبية.
وفي عام 1950 حاز الدكتوراه عن أطروحته التي عرفت فيما بعد بنظرية التوازن وعمل بعدها أستاذا في جامعة برنستون الأمريكية .
في عام 1958 بدأت تظهر على جون ناش أعراض مرض الفصام حيث ظن أن شخصاً آخر يشاركه السكن في غرفته طوال إقامته بالسكن الجامعي و كان يكلمه أمام الناس بينما هو في الواقع لا يكلم إلا الفراغ .
وازدادت حالة جون سوءاً و أصبح يظن نفسه مطارداً من الاستخبارات الروسية و الأميركية فتضاعفت هلوساته و أفكاره الضلالية.
مما اضطر زوجته إليسيا في عام 1959 إلى إدخاله مشفى (ماك لين) حيث شخصت حالته بأنها فصام ارتيابي مع اكتئاب بسيط و عدم تقدير للذات.
و ظل جون ناش حتى عام 1970 يدخل للمستشفيات العقلية و يخرج منها متنقلا بين باريس وجنيف و برنستون و لكنه في النهاية قرر التوقف و للأبد عن تناول العقاقير و الأدوية التي أثرت على حياته الزوجية.
بعدها و بمساعدة من زملائه و محبيه عاد جون ناش لقسم الرياضيات في جامعة برنستون كباحث و لكنه منع من التدريس لحالته المرضية .
هناك بدأ جون من جديد حيث ظل يبحث بطريقة عجيبة فهو لا يكتب معادلاته الرياضية على الورق بل على النوافذ و الجداران و كان يفكر بصوت مسموع .
عام 1978 كرم جون ناش بجائزة جون فون نيومان لأبحاثه في التوازنات الغير متعاونة التي تسمى الآن ( توازنات ناش ) .
و قررت الجامعة السماح له بالتدريس تقديراً لأبحاثه المنشورة .
وفي بداية الثمانينات استغل جون ناش ميزة البريد الإلكتروني ليتواصل مع علماء الرياضيات ويطلعهم على أبحاثه , ليشكل هؤلاء الأساتذة نواة لمجموعة قامت بالاتصال بلجنة جائزة نوبل و يشهدوا بأن أبحاث جون كانت نقلة في عالم الرياضيات والاقتصاد.
و أخيراً في عام 1994 حصل جون فوربس ناش على جائزة نوبل نتيجة لنظريته ( نظرية الألعاب ) !!!!
جدير بالذكر أن هوليود رأت أن حياة جون متخمة بالإثارة ما جعلها تنتج فيلماً بعنوان ( A Beautiful Mind) يحكي قصة حياته و قد حاز الفلم على العديد من جوائز الأوسكار .
تُرى لو كان هذا الإنسان واحداً منا فأين سيستقر به المطاف؟؟؟؟>