مع نفسك

ما مِنَّا من أحد إلا وتمر عليه أوقات يختلي فيها مع نفسه .. لكني سأغير الفعل يختلي إلى الفعل يجلس خوفًا من المحظور !!

أوقات يجلس فيها مع نفسه .. وإن كانت ” مع نفسك ” صارت عبارة للسخرية والهزء وتحجيم الإنسان وحثه على الانشغال بنفسه دون أن يقترب من الآخرين ، وهي من العبارات التي انتشرت في أوساط الناس انتشارًا كبيرًا نتيجة تقليد أشخاص قدَّموا أعمالا كوميدية تضمنت عبارات مثل هذه ، حين وجد الناس فيها فسحة للضحك والترفيه ، لكن الوصول بها إلى حد السخرية بالإنسان ، أو التقليل من شأنه ، وما يقدم أمر مرفوض !!

والإنسان مع نفسه بين حالين .. فإمَّا له ، وإمَّا عليه .. فهناك الموفق ، وهو مَن يقضي بعض وقته مع نفسه يتفكر في ملكوت السماء والأرض ، ويتأمل صُنع الخالق فيها .. وقد يقضي وقته في ذِكر الله ومناجاته والإفادة من دروس الحياة وعِبرها ، ومحاسبة النفس ودعمها لتألقها ، أو ردعها لتطهيرها ، فيصحح مسارها إن هي قصرت في حق الخالق ، أو حقوق الخلق .. وليس هذا فحسب ، بل قد يقضي وقتًا جميلا مع نفسه من خلال القراءة والتأليف ، وفي سير الأعلام الكرام ما يُغني عن كل حديث وأقلام !!

فاجلس مع نفسك ، وخصص وقتًا لذلك ، واجعل جلوسك معها جلوسًا مثمرًا ، وحاول أن تنسى إساءات الآخرين في حقك ، ولا تكثر من لوم نفسك ، فتُحملها فوق طاقتها ، لتصير أوقاتك وبالا عليك !!

واحذر من أن تجعل جلوسك مع نفسك جلوس شرٍّ تكسب به إثمًا ، أو تجرُّ به وجعًا في لحظات تتجرد فيها من إنسانيتك ، فتكون اللحظات حسرات عليك !!

واعلم بأن الحياة نعمة قد حُرم منها غيرك ، حين عاشوها في رِداه الخوف ودهاليز الفزع ينظرون إلى الموت ، وما هم بميتين جزاء ما ارتكبته نفوسهم حين ألقوا بها في طريق النشاز … فعش حياتك .. واجعل أوقاتها عامرة بالخير في حفاوة من ديننا الجليل ، ووطننا الجميل .>