اللجوء هو حركة نزوح إنسانية يقوم بها الفرد أو الجماعات إلى منطقة جغرافية غير بلدهم الأم، لعدة أسباب:
1. اضطهاد الأقليات الدينية.
2. خلاف سياسي مع النظام الحاكم.
3. كوارث إنسانية تتسبب فيها الثورات والحروب أو النزاعات الإثنية أو العرقية.
4. بدوافع البحث عن الحرية والغذاء، وقد يكون أيضاً بدافع البطالة وقلة ذات اليد، وعدم تقدير قيمة الشخص ومهنته في وطنه.
ولعلنا هنا أن نحيط بحال اللاجئين من النواحي الإنسانية، خصوصاً ما يكون منها جماعياً بأسباب الثورات والحروب، أو الاستعمار، وما يتبعها من خراب وانتشار للفوضى والفقر، والأمراض، وطغيان لعصابات الجريمة، والجماعات المتطرفة.
وفي عالمنا العربي أمثلة متعددة لحالات من اللجوء، ولكننا سنخص ثلاثة أمثلة منها، فهي الأكثر رسوخاً في مخيلاتنا، وهي الأوضح من بين النماذج الملموسة:
1. ففي الأراضي الفلسطينية المحتلة وبعد حرب 1948م، حصلت حالات هائلة من النزوح والتهجير الجماعي إلى دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان، وقد تكرر ذلك المنظر وتضاعف مرات عديدة بعد النكسة 1967م، حتى لم يعد بلد عربي ولا أجنبي يخلو من مجموعات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.
2. والمثال الثاني هو ما حصل للشعب العراقي من فرار للعقول والأيدي، خلال فترة حكم حزب البعث، وحرب إيران، وتفاقم النكبات بعد سقوط «بغداد» وحتى يومنا هذا، بشيوع الفوضى، وتعاظم للجريمة والإرهاب، حيث امتلأت الملاجئ الحدودية العربية والتركية باللاجئين العراقيين، ليصبح للعراقيين جاليات لاجئة في معظم دول العالم.
3. والمثال الأخير هو حال الشعب السوري طوال حكم حزب البعث، وتفاقم الحالة بعد ثورة الشعب السوري على نظام بشار. فرأينا الفواجع، والقتل والتدمير، وهروب للملايين خارج الحدود، حتى غطت صور نكباتهم على كل فواجع الشعوب العربية بالمطلق.
لقد رحل القلة المقتدرون منهم إلى دول عربية وعالمية، وظل من تبقى بالملايين في مخيمات الإيواء على الحدود التركية، والأردنية، واللبنانية، والعراقية!.
ولا تسألن عن هول نَكْبَةُ من تصل به حالة التردي لأن يمسي نزيلاً في أحد مخيمات الإيواء، فيعيش مأساة لا حدود لها، ويصاحب فيها جملة من الضغوط والمخاوف والتبعية والذل والمهانة لنيل أقل قدرٍ من متطلبات الحياة الكريمة.
وتصور معي أن يصبح الإنسان مجرد سلعة رخيصة لكل من يريد المزايدة عليها واستغلالها في تلك المخيمات:
1. الدول المتقدمة ترسل سماسرتها الخبراء لهذه الملاجئ، فيتم معاينة وانتقاء وتجنيس النخبة من أصحاب العقول والمهن المميزة الفريدة، كالعلماء، والأطباء، والمهندسين، والمخترعين الواعدين.
2. وتأتي دول أخرى لتلتقط من يتبقى من أصحاب المهن الحيوية، مثل العاملين بالصناعة، والفلاحة، والصيانة والخدمات، وغيرها من الِحرفِ، التي لم تعُد الشعوب المتقدمة تجد من يمتهنها من مواطنيها.
3. ثم تأتي بعض الجماعات المشبوهة لانتقاء الأطفال الصغار ممن لا يُعرف لهم أهل، ويقومون ببيعهم في مزادات سرية، لمن يرغبون في التبني، ولعصابات الشحاذة .
4. وفي بعض الدول المستضيفة للاجئين يتم استغلال النساء والأطفال والقصر، بالعمل غير الشرعي في المهن الحرفية القاسية، أو بالانخراط ضمن جماعات مسلحة، وعصابات، ومروجي المخدرات.
5. وتعمد بعض الجماعات المخادعة لتصوير ما تعمله هناك وكأنه «عمل إغاثي ديني بقصد التقرب للرب»، فيعلنون عن فرص الزواج بالفتيات المقطوعات والقاصرات، للأثرياء، في سوق هو أشبه ما يكون بسوق النخاسة، رغم تستره بعباءة الدين.
وتتم معظم تلك العمليات بعد التأكد من أن السلعة البشرية لا تحمل من التبعات ما يمكن أن يجعلها مشكلة مستقبلية للجهة المستفيدة، ففي سوق النخاسة يكون «المقطوع من شجرة» هو البضاعة المضمونة، والأكثر تميزاً، والأغلى قيمة.
اللاّجِئُ إنسان مطرود بالإكراه من وطنه، ومسلوب الكرامة، والممتلكات، وفاقد لأعز من يعرف، وهو نكرة لا يمتلك حتى بطاقة هوية، وحتى لو كانت بحوزته، فستظل مختومة بختم «لاجئ».
اللاّجِئُ حائر مَبْلي بنكبته لا يعرف له طريقاً، فهل يعود للأرض المحروقة، المهدومة، الموبوءة، ولشوارع موت فُقد فيها الأمن، والأمان، وأصبحت الجريمة والبلطجة فيها هي الحال والفيصل، أم يستمر في الهروب إلى عالم من الغموض المستقبلي؟. مفترق طرق جذري منحدر خطير، فهل ستنتزع جذوره من أرضه فلا يعود لها مهما بلغت أصالته وحنينه؟. وهل سيُغرس في تربة بديلة، لا يتمكن فيها من المحافظة على كينونته ولغته، ودينه، وعاداته وتقاليده، أم كُتب عليه أن يظل مشرداً يبحث عن ذاته في ضباب العمر، ولا يجدها؟.
التحديات المستقبلية للاجئ قوية، وهو بحاجة لوطن، والوطن لن يتحصل بوقوفه في مكانه، ولا بعودته للخلف، وقد لا يكون بالانفصام عن الماضي والتقدم بخطوات متسرعة منزلقة للمستقبل.
اللاّجِئُ صفاء ينتهي برحيله، وعكر يستمر بحسرته، وعليه أن يختار بين أن يستمر في خيمته، وبين أن يسلخ جلده القديم، ويخضع لعمليات تجميل دقيقة لترقيع جسده المعتل بالجلد التجميلي الجديد.
اللاّجِئُ معضلة إنسانية، يجب أن تكون لها حلول إنسانية. ويجب أن تقوم المنظمات الإنسانية العالمية المسؤولة عنهم بحمايتهم من السماسرة والبائعين، والمدافعة عن كرامتهم، والبحث عن أسرع الطرق لإعادة كل لاجئ لوطنه، ولو بعد حين.
وهذا بالطبع صعب الحدوث، في عالمنا العربي، الذي زاد شتاته، ولوثته، وتقسيماته، وأقلياته، والشعوب العنصريون، والمقصون لكل مخالف، والجزارون، وبائعو الجلد، ومصاصو العظام، وسماسرة المتعة.>
شاهد أيضاً
أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري
صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …