“قصبة” دوار أبها إنها علاقة الإنسان بالمكان

“هدموا قصبة الدوار ياصديقي “!! عبارة وصلت إلى سمعي من صديق ذات ضحى يوم الخميس الذي شهد فجره “هدم القصبة ” !! لدواعي إقامة مشروع طريق أو جسر كما قيل ،وهي العبارة التي تداولها الناس في أحاديثهم طيلة الفترة الماضية في خبر طار به الحمام الزاجل عبر مواقع الشبكة الإليكترونية ،إلا إن صديقي أطلق الخبرعلى سمعي مصحوبا بتنهيدة وتحسر على زوال “القصبة ” من موقعها الذي ارتبط في أذهان الناس ،وتحول الدوار بفضل “القصبة ” إلى معلم شهير ،يشار إليه حينما يراد (عنونة ) جهات الدخول إلى أبها ، فقلت ياصديقي أتفهم (أساك )على هدم القصبة ! وأعلم أن الأسى الذي تلّبس مشاعر كثير من الناس ،وأنا واحد منهم لزوالها،كان بسبب ما يحمله ذلك الموقع من ذكريات، سكنت ذاكرة الكثير منّا ،وبسبب مايحمله ذلك الطراز المعماري لمنطقة عسير من ملمح جميل ،وإن غاب في ظل هجمة طرز العمران الحديث،لكنه جزءا من تراثنا ،وهو بناء يحمل إلينا صورة من الماضي الجميل ،وقد تحول هذا البناء إلى تراث ،لكن يبقى حنينه مسكونا في قلوب الناس ،خصوصا الذين عايشوا وعاشوا ذاك الزمن الذي كانت تبنى فيه البيوت من الطين، وتحرس أطراف المدن والقرى الحصون والقلاع والقصاب ،وما أحب ذكره هنا ،ومايجب أن يُفهم ممن تابعوا المشهد من حولنا ،أن “الأسى والشجن “الذي طفا على سطح مشاعر الناس في عسير ،كان يجسد حالة طبيعية من( علاقة العشق بين الإنسان والمكان ” وهي حالة تترجم حنين الإنسان العربي عادة إلى المكان الذي يسكنه بكل ملامحه ومن ثم يسكن قلبه،إنه الحنين الذي لانستطيع الانفكاك عنه “والعلاقة التي تنشأ بين الإنسان والمكان الذي يألفه” ،وقد قال أبو تمام : “كم منزل في الأرض يألفه الفتى ..وحنينه أبد لأول منزل ” أن المشكلة ليست في هدم قصبة الدوار، وليست قضية كبيرة إذا ماكان هدمها بسبب مصلحة !والقصبة لمن يجهلها من الجيل الحديث هي “بناء من حجر وطين ” كانت تشيد إما بغرض استخدامات حربية للدفاع عن أطراف المدن آنذاك ،أو تستعمل لتخزين الحبوب،وتأخذ شكلا اسطوانيا أو مربعا ،إنما أسى الناس وحسرتهم التي لوّنت مشاعرهم حسرة على هدم القصبة،تعبر عن قصة عشق الماضي بكل ملامحه ،وهو عشق يجعل أحدنا يدفق المزن هطالا حينما يفارق الأماكن بكل ملامحها ،والعرب رغم جلافتهم بكوا الأماكن ، وسطروها في شعرهم ،وحين كانوا يودعونها لسفر كانوا يودعونها وداع الأحبة أو أشد ،وحين يعودون يحتضنونها بشوق ،ويلثمونها قُبلا ،ويبكونها حينما تتحول الأماكن إلى أطلال ،ولايبقى لها أثر ؛إلا كباقي الوشم في ظاهر اليد ،فلا يلام من تسكن الأمكنة مهجته ،أوحينما يرحل إليها وتهب نسائمها بذكراها فلايجدها مكانها، ختاما ..أما وقد ذهبت القصبة ،فيمكن للإمانة أن تستثمر هذا التراث المعماري الذي تفردت به منطقة عسير ،ولها حق استثماره كطراز مميز ،في تزيين ميادين أبها ومحافظات عسير لما تحمله من جماليات البناء القديم حفاظا على شيء من هوية المكان.

Mfaya11@hotmail.com>

شاهد أيضاً

3 مواجهات غداً في انطلاق منافسات الجولة 28 من الدوري السعودي للمحترفين

صحيفة عسير ــ الرياض تنطلق غدًا الخميس منافسات الجولة 28 من الدوري السعودي للمحترفين “دوري …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com