الاحتراف الدعوي!

يتميز العمل الدعوي بتنوع وجوهه وأنشطته وألسنته ووسائل وسبل إقناعه ومنابره، وهو نشاط منفرد مُجتَهَد فيه، وما يجعل أهدافه وأطروحاته بطيئة ومُختَلَفاً عليها زيادة الكم والتركيز عليه من دون التمعن كثيراً في ماهية «الكيف» والرغبة المجردة العاجلة في المشاركة والحضور الاجتماعي اعتماداً على معايير الشعبية والجمهور والإطلالة المنبرية اللافتة.

النشاطات الدعوية المتوزعة بمدن ومحافظات المملكة ينتظرها مجتمع عاطفي يجيد الاستماع والتلقي، ويحتاج مع هذه العاطفة القوية لمحطات توازن ومنابر تختار الأصلح وتضرب على مناطق الضعف والخلاف لتقوي الأولى وتصحح الثانية، على أن تكون معلومة الطرح والمنهج مسبقاً. ما دفعني للتطرق إلى أوراق العمل الدعوي ما قرأته أخيراً عن مطالبة المحاضرين والدعاة في المحاضرات والندوات الدينية والتثقيفية بمبالغ مالية في مقابل حضورهم ومشاركتهم ضمن الفعاليات الدعوية، وهو مؤشر مقلق وغرابة متناهية تدعو للتوقف والمتابعة والسؤال. لا أقف في طريق رزق أحد، ولكن يزعج كثيراً ويخيف أن يتم استغلال العمل الدعوي كمصدر رزق بل كدخل خرافي لساعات قصيرة عبر الانتقال من مدينة لمدينة وادعاء احتساب العمل والدعوة إلى الله، فقد تتضاعف هذه المبالغ بشكل مبالغ فيه وتتجاوز إلى حد استنزاف موازنة الأنشطة والملتقيات والمخيمات إلى جهة حتى وإن كانت معلومة إلا أنها تظل مخيفة.

موجة أسعار الدعاة وظهورها الأخير على السطح عبر لسان جريء أراد أن يكشف بأن هناك شيئاً يمارس في الخفاء ويسكت عنه ما دام المنبر مشغولاً بمتحدث، يجب أن تؤخذ بجدية ويُسأل المستفيد الأول، والمقتنع بالدفع ورقمه. ولن أكون مجَدَدَاً ضد الحصول على مبالغ من أجل الظهور، لكن لتعلن الأسماء بجرأة، فلا يوجد ما يستحق لأن تختفي الأسماء خلف مبالغها الكبيرة من أجل الظهور، إلا إن كانت هذه الأسماء تعلم وتدرك أن ما تقوم به خطأ أو مخالف لما يتوقعه الجمهور والمنتظرون لكل إطلالة.

ما أعرفه أن الداعية يأتي للمكان وفق تهيئة فوق المعتاد، وبرنامج معد سلفاً بكامل التجهيزات، وألا يخسر ريالاً واحداً في طريق رحلته الدعوية أياً كانت مدتها الزمنية، إنما تخيلوا معي أن يتعب منظمون لمنشط دعوي في إقناع بعض الدعاة للحضور بعد التفاوض و«حب الخشوم» من أجل ان يتنازل فضيلة الشيخ الداعية للمشاركة بمبلغ ما، يتوافق مع قدرات المنظم، وتنجح المفاوضات لتصل إلى 20 ألف ريال كحد أدنى للمحاضرة الواحدة، وهذا عقد احترافي مغرٍ جداً قد يسهم في تنافس دعوي على المشاركة والتنازلات في ظل الصمت أو السكوت على هذه المبالغ إذا ما أخذنا بحسبة ان قيمة الدقيقة الواحدة من الحديث تصل إلى 250 ريالاً وهي مسيلة للعاب فعلاً.

المشكلة تكمن في ألا نخدع بأسماء كانت تقول إن أنشطتها ومساهماتها واجتهادها وحضورها خيري بحت وتقسم باليمين على ذلك، فيما هي تأخذ بالشمال مبالغ من تحت الطاولة مغرية ومرتفعة. نريد أن نعرف ولو موقتاً هل الدعوة عمل جاد وبحث عن الأجر أم ترفيه وفلاش ضوئي؟

وعلى رغم كل ما كتب فلست ضد التكسب من وراء الدعوة إلى الله لكن بوضوح تام وصدقية، فما دام هناك جمهور سيقف أمام المنبر ويعشق الداعية ويطارده في أي مكان، فلا يمكن حرمانه من حقه في الظهور والوجود، ولنجرب أن تكون المقاعد بمبالغ وحينها سنعرف الداعية الأغلى، والأهم أن نعرف رغبات الجمهور من خلاله ونقرأ أفكارهم ورؤاهم.

alialqassmi@hotmail.com>

شاهد أيضاً

أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري

صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com