تتوزع مطالب الشعوب الثائرة بين الرغبة في الحرية، والحاجة للمساواة ، وتتنازع ذات الشعوب على آلية الحرية حين تكون مرة بالتقسيط ، وتارة بالانفلات ، ويقف على الجانب الآخر للتنازع والثورات المتلاحقة ، حاجة الإنسان الملحة للمساواة أو بالأصح اقتسام رغيف المساواة بالشكل الذي لا يُقْبل معه حضور جماعي أو مناطقي لجوع أو فقر وبطالة وافتراش رصيف .
يتفنن المحللون في قراءة تفاصيل مشاهد أي ثورة عربية ، قد يكون فن التحليل المزعج الجديد ناتجا عن اتساع المساحة التي يمكن السباحة فيها برفقة التوقعات والتكهنات وإلصاق التهم وتصفية الحسابات وادعاء أن ما يحدث كان من مجملة مخاوف تم إطلاقها قبل زمن من انطلاق أي ثورة ، خلال أي ثورة يمكن أن نشاهد أكبر كمية من الأصوات المتداخلة ، والمتقطعة ، والمتعارضة ، فنحن نصمت دوما ولا نشتعل إلا إذا كان هناك من يشعلنا ، وأحسب أي اشتعال غير متوازن بني على شجاعة آخرين صامدين ومتحمسين لقضاياهم هو جبن في صورة أخرى بيضاء للمتابع .
أعود للتنازع حين يضع كل شعب ثائر يديه على مناطق متوزعة من جسد الحرية ، فقد يحدث ألا تتشابه مواضع اليدين وقد يحدث أن تلتقي بالمصادفة أو المقاربة ، الرغبة في الحرية تختلف من قطر عربي لآخر فما قد ينقص شعب من لوازم الحرية نجده جزئيا في مساحة جغرافية أخرى ، ونجد المساحة الأخيرة تطالب بنواقص من مطلب الحرية هي متواجدة بالمصادفة تلقائيا في القطر الثائر مسبقا .
تختلف الشعوب العربية حين تثور عندما نمر معها على التفاصيل من أمنية الحرية ، وتتفق في المجمل لأن في بعض الكلمات اختصار لكثير من العبارات وتنفيس عن كثير من الضغوط ومن أكثرها تحملا مفردة ” الحرية ” لكنها لا تعني اختصارا للاحتياجات ، ونقطة أخيرة في مسلسل الالتهاب أو الانفجار ، فهي عبارة ” حمالة لأوجه ” وووقود يُسْكَب من أجل اشعال قضايا أخرى مسكوت عنها .
ما يتفق عليه مجموع الشعوب في مطالبات الثورة جملة وتفصيلا هو حق المساواة ، وهو الذي أن توفر بالجزئية أو الكلية شعر الفرد العربي بأنه ليس في حاجة مطلقا لحرية مُخْتَلَقَة أو مزعومة وكما يقال ” أن تمنح الشعب مساواة في الحقوق على حساب حرية صوتية فذلك مدعاة للقبول بالحال ، والرضا بالمآل ،والتعايش مع الظواهر الصوتية وعملها الدوؤب كمحطات استراحة ، وأوقات مُسْتقطعة لجهد يومي يبذل من أجل لقمة عيش مقدور على جلبها وتناولها ، إنما أن تصر على حرية الصوت والقول دون فعل المساواة فذلك يحرك الأجساد بشكل مفاجئ على أن تثور وتطالب وتناضل وتصمد وتصيح ” ، ولا يمكن أن يقنعني صوت عابر مأجور أو مستأجر بأن المحرك الأساس لكل ثوراتنا العربية فقدان الحرية بالمقام الأول ومن ثم المطالبة بالمساواة ، لأن المنطق والعقل لا يقبلان بهذا مطلقا ، فبعض البلدان الثائرة تتمتع بقدر من الحرية لا يتوفر لدى أوطان مجاورة ومع ذلك لم تفتعل دول الجوار لغة الثورة ، لأن مجهودات المساواة مسحت ما استطاعت من معاني البؤس واحتقانات الصدور ،الفرد الفقير البسيط لا تهمه الحرية أن كانت لا تساويه مع من هم يساوونه في الانتماء ، ولن يشغل باله حرف واحد من أحرف ” الحرية” ان لم تصعد به لخانه الحياة التي لا تميت عن ظمأ أو عطش . >