أعشق لغة الأرقام وأندمج معها تلقائياً، فهي تختصر كثيراً من الحقائق والتفاصيل، وتوجز ما يعجز عن إيجازه مئات الجمل والعبارات المطاطية الممغنطة التي تلف وتدور من دون أن تصل إلى اللب، أعشقها لأنها تأخذنا للمشكلة مباشرة حتى نقف أمامها وجهاً لوجه ونستعد بالقرارات الجادة الصارمة المحتوية على قوة إرادة وجبل من التحدي. تقول لغة الأرقام إن بيننا ما يقارب من 200 ألف امرأة عاطلة، 78 في المئة منهن يحملن شهادة البكالوريوس، ومع اعتقادي الشخصي أن هذا الرقم لم يصل بعد إلى الحقيقة الكاملة لمجتمعنا المتزايد بفعل الاجتهاد في مصانع الإنتاج من دون أن تأخذنا نغمة اجتهاد مماثلة للتساؤل المشروع في أين تذهب كل هذه المخرجات، وكيف تعيش؟ أظل أولاً ضد أن تكون البطالة مبرراً رئيساً للحوادث الاجتماعية المتعددة وإلقاء اللوم الدائم عليها في أي مستجدات طارئة أو معتادة، خادشة للمشهد الاجتماعي ولكني أردد خائفاً بأنها ناقوس خطر يحمل نسبة ليست بالسهلة في ما يحدث تباعاً.
لعنة العيب والعادة تقف سبباً رئيساً في ارتفاع أرقام البطالة لدينا، حتى وإن كان هناك من يردد بأن هذه المعضلة باتت تذوب تدريجياً، وتتقلص يوماً بعد يوم، وأقول إن الذوبان التدريجي والتقلص اليومي ربما يختص أكثر بفئة الذكور فيما لا تزال الخطوط الحمر والخوف الاجتماعي يضرب بقوة على صعيد النساء وإلا ما كانت المرأة منحصرة الأنشطة والحضور المتكامل في بوابتي التعليم والصحة، مع حذر شديد وصراع شديد وتحديات كبرى تواجه الأنثى حين تبدأ التفكير في الدخول لميدان العمل الصحي.
وددت من الجهة المعناة بإعلان هذا الرقم «وزارة العمل» أن تجتهد مشكورة في إخراج جدول جديد مفصل بعدد العاطلات على أن يكون مقسماً بحسب المناطق الإدارية، فقد نكتشف من خلاله أسراراً جديدة أو نقاطاً لم تناقش أو تُبْحَث من أجل أن يعود الرقم للخلف لا أن يذهب للأمام، قد تكون فرص العمل في هذه المناطق لا تتفق مع عدد العاطلات فيها، ما يدعو لثبات الرقم وتضاعفه من دون إيجاد حلول أو خلق فرص جديدة مناسبة، ربما أيضاً أن هناك فرص عمل متوفرة إنما يختفي تحت السطح ما يعوق دون الانضمام لها بلا حاجة للخوض بتفاصيل هذه النقطة، ومن الممكن أن تكون نسبة العاطلات لخريجات قسم معين أو تخصصات ما، ولم نبدأ في إيقاف النزيف المستمر من هذه الأقسام، بل لا زلنا نشجع ونفتح بوابات القبول لكي نحفل بخريجات جدد وجامعيات طموحات لكنهن سيكن عاطلات على طول الطريق بفعل أسباب لم نناقشها، والأصح نخاف أن نناقشها من أجل مجتمع يصدر قراراته استناداً على عاداته وتقاليده.الفارق بين المذكر والمؤنث أن المذكر يبني مشاريع مستقبلية كبرى، ولذا يحتاج إلى فرص عمل ممتازة ودخل معقول متزايد، في حين تكتفي شريكته الأنثى بفرص عملية ملائمة لها اجتماعياً من باب أولى ودخل معقول يجعل للحياة معنى، ويكفي من مآسي التفكير، وقسوة العيش بلا دخل مع بذلها للجهد المطلوب الذي كانت تعتقد بلحظة سابقة أنه سيؤمن الدخل ويكون مصدر الرزق.>