نجح مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني هذه المرة في التقاط المناطق الحساسة والمفصلية في المشهد المحلي، وإن كنت أراه، بوجهة نظر شخصية، التقاطاً لأضلاع مهمة في آن واحد، على رغم تشابه المصب والتأثير على وحدة وطنية متماسكة، إلا أن كل ضلع من أضلاع مثلث «القبلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية» يحتاج للقاء ثقافي منفرد مستقل وإشباع متأنٍ لمحاور ثرية ستولَدُ تِبَاعاً وسطراً سطراً بمجرد فتح ميدان الحوار، وعنوان اللقاء الشائك المتشابك أمضينا معه الزمن الماضي في مباريات هروب خشية التطرق إلى شيء من تفاصيل المحتوى، وراوغنا واستعنا بما يثبت براءتنا من أي اجتهاد سلبي يندرج تحت الثلاثي الملموس والمزعج، وعلى كثافة محاور اللقاء وسخونتها إلا أن ما أحلم به قبل المرور العاجل المقبل على شيء من التفاصيل وبعثرة أوراقي الشخصية أن نخرج بتوصيات جوهرية تلامس الجراح، وفي التوقيت ذاته تكون جادة تذهب للتطبيق مباشرة لا أن يُكتَفَى بوضعها في أقرب «رف» ونعلن انتهاء اللقاء.
أكتب اليوم واللقاء في يومه الثاني والأخير، وسيكون لي عودة إن اطلعت على الخلاصة النهائية لمحصلة الجلسات، إنما سأضع بعض القناعات هنا، لا رغبة في مباشرتها خانة التطبيق، إنما لكي لا يبقى شيء بالصدر صامت ومؤجل، فلم يعقد اللقاء إلا رغبة في التقاء الأفكار، ونقاش القضايا الوطنية، وإيجاد الحلول متى ما كانت الأرضية متاحة للتنفيذ، وهذا مرده الرغبة القوية في الحل، وللتأكيد دوماً فاللقاء حاسم في مسيرة الحوار الوطني لقضايانا الاجتماعية الحساسة.
سأبدأ بالقبلية وهي التي تحتاج من أجل وزن أذرعتها، وقص أجنحة تأثيرها السلبي إلى لمسات عدة، أولها «حذف اسم القبيلة من الهوية الشخصية»، ومن يمنحني إيجابية واحدة لذلك فليعذرني على لمسة حل كهذه، ثانيهما مراقبة قنوات الفضاء المتعصبة، ومسح شريط الرسائل المار بأسفل الشاشة، الذي يثبت كيف تُدرس مناهج التعصب القبلي بالمجان، الثالث أن نهمل الشعراء الذين يصعدون بقبائلهم لسطح القمر، وهم عاجزون عن حل معاناة محتاج، وكف دمعة يتيم، ودعم التكافل الاجتماعي، ونحاسبهم أيضاً على ثرثرتهم الفارغة وندفع بأحلامهم إلى أعلى مآسي الشحاذة والمدح الجائر والافتتان بالانتماء ومسح المجاورين من المنصة، الرابع الحد من تنامي «ثقافة البعارين»، وأحلام الصغار في أن يصبحوا «شعراء شعبيين»، وجنون حمل السلاح تحت بند الرجولة، ومارثونات «مزاين الإبل».
أما عن المناطقية فلن يتطلب الخروج من مأزقها سوى توزيع بعض الكراسي والمقاعد الكبار بالتساوي على الخريطة الجغرافية الوطنية، وأن تضم مراتبنا العليا تنوعاً في الانتماءات المكانية، ولو على سبيل التنوع الشرفي، والمؤشرات المحلية في هذه النقطة تحديداً تتحدث عن تحركات بطيئة مُقَدَرَة في هذا الجانب، والبطء يعيبها ولا يهمشها مطلقاً، ولا أتجاهل ما كان في السابق من نسيان لشيء من التوزيع التنموي ولكن الحاضر المدهش، والمستقبل المنتظر يكشفان عن عمل جاد لمسح تداعيات هذا النسيان.
ويبقى الضلع الثالث من محاور اللقاء «التصنيفات الفكرية»، فأطالب – من أجله – بإيقاف كل من يحمل سكين التصنيفات الجارحة لا الطاعنة وإعطاب قلمه وإنزاله من منبره، وهذه السكين هي السلاح الذي يستخدمه العاجز عن مقابلة الحجة بالحجة، ومن توقفت قدراته عن البيان والتبيان وضاق صدره لتقبل الرأي والرأي الآخر. انتهت المساحة بالنسبة لي وربما لم أقل كل شيء، إنما أحسبني قلت أشياءً مهمة وصريحة نوعاً ما، وقد يكون للحديث بقية إن خرجت التوصيات والمخرجات على رغم قوة المدخلات بحزمة أوراق وأسطر أقرب ما تكون لحبات «البنادول» المعروفة.>