في الميثولوجيا الإغريقية، كان نرسيس طفلاً جميلاً جداً، فأمه كانت إحدى الحوريات، وأبوه كان النهر ، ويتنبأ له تريزياس العراف بأنه سيعيش طويلاً بشرط ألا (يرى) نفسه. وذات يوم يغريه أحد أعدائه بأن يتوقف عند بحيرة ليشرب ,فيرى نرسيس وجهه منعكساً على سطح البحيرة، فيذوي ويموت ويتحول إلى زهرة النرجس التي أصبحت منذ ذلك الوقت رمزاً للحب بغير قلب أو دلالة الى العاطفة غير الصادقة. ومن هنا جاءت التسمية في اللغة العربية (النرجسية)، أي الحب المرضي للذات .
رغم أن النرجسية وجودها مهم جداً داخل الروح , مثل أن تحب نفسك وتقدرها وتدللها بحدود المعقول , ولكن يجب ألا أتصل لدرجة تحولك لإنسان مريض بمرض حُب الذات الساذج ,والأنانية ,والاستبداد ,والهيمنة ,والغيرة القاتلة, والشك ,والانتقام
ومن المؤكد أننا صادفنا أو صاحبنا في حياتنا أشخاص فيهم لمسات ورتوش ” النرجسية” من التعالي , حيث يضعون بينهم وبين الأخرين حواجز من رسميات وألقاب وتفضيل وغيرها من هذه الأمور في مجتمعاتهم , وحدث أنني قرأت ذات مره قصة لأحد الأشخاص ومجملها أنه خرج مع صاحبه إلى مدينة الملاهي مع أطفالهم وكان الأول كاتب والآخر أستاذ جامعي , فقال الكاتب لصاحبه الأستاذ : لماذا لا تشارك أطفالك اللعب لأنهم سيفرحون بذلك !! فقال الأستاذ الجامعي : كيف اللعب وأنا استاذ معروف !؟ فرد عليه الكاتب وهل تمنعك الأستذه من اللعب مع صغارك ياصديقي …!! ثم يقول هذا الكاتب حدثت نفسي هل هي نرجسية في صاحبي ,أم انها الثقة العمياء اعمت بصيرته, أو انه الخجل الاجتماعي من منصبه جعله يمنع نفسه من الاستمتاع مع اطفاله في مكان عام كهذا !!
هكذا هم النرجسيون يهتمون بكيف يثيرون أعجاب من حولهم بمثالية مفرطه, و يستفزهم التجاهل , و يحنقهم النقد ولا يريدون أن يسمعون إلا المديح و كلمات الأعجاب .. حتى وإن حرموا أنفسهم من أبسط حقوقها وهي “البساطة”
عرفتها فيما يقارب الثلاثة اشهر , كاتبة لها كلماتها وقصائدها السحرية ,طالبة للعلم في كل علم , لها ثبات الجبال ,ولها أمل لا ينتهي ,وصبرها كالدق على الحديد ,فأخبرتني ذات يوم أنها ذهبت لإحياء أمسيه شعرية في النادي الأدبي بالرياض , فتقول : ذُهلت حين وضعوا امام أسمي في خانة التعريف بي أمام الجمهور (بالأستاذة) رغم أنني مازلت طالبة فأبتسمت وأنا أجلد ضميري بعتب على هذه الألف الزائدة عن الحقيقة التي وضعوها أمام أسمي ! ثم حكت لي أنها في آخر مقابلة صوتية لها على قناة الثقافية السعودية قالت المذيعة وهي تقدمها (معنا الأستاذة …….)”تقول : شعرت أنها تلبسني تاج أعظم من رأسي فأخبرت المذيعة مباشرة امام الكل أنني لستُ أستاذة ..!! فقلت لها غاضبة ولماذا تجلدين نفسكِ وانتي فعلاً أستاذة , فالأستاذة لا تمنح إلا لأمثالك و بدون مجاملة هذه الحقيقة ! فقالت : أنا سيئة لو قبلت هذا اللقب المجاني ,علينا أن نتحلى بالصدق دائما ولا نرتدي الألقاب والمجاملات حتى مع ذواتنا ! كانت نموذج مثالي وربما قل من اتصف مثلها في معرفة حقيقة ذاتها لا انكر انني وقتها شعرت بتأنيب الضمير على “نرجسيتي” واحساسي بذنب عظيم لأنني من ذوات المباهيين بأستذتي وحروفي ومقالاتي وقصصي ,لقد غيرت هذه الكاتبة مسار مهم في حياتي جعلت مني تلك الليلة أفكر في شيء واحد ألا وهو ماذا قدمت و انتجت لأتباها ؟!!
*نبض
لاتسألوني عن صديقتي هذه , بل أبحثوا عنها في كتابها ( ذات نورانية ) ….
>