لدينا في ساحة الفن التشكيلي كثيرون ممن هم مجانين فن وألوان وريشة، وليسوا هم ببعيدين عن جنون وفنون سلفادور دالي وبيكاسو وفان جوخ، وربما أول ما يقفز إلى الذاكرة من فنانينا، اسم العالمي الراحل عبدالحليم رضوي، الذي قاده جنونه إلى السفر مبكرا إلى إيطاليا دون أن يكون لديه مصروف جيب وليس رسوم علم ومعاهد فنية، وهذا القول ينسحب في عالم التشكيل السعودي على كثير من فنانينا، مثل: ضياء عزيز ضياء، طه صبان، أحمد فلمبان، وغيرهم، الذين تأخذهم أفكارهم أحيانا إلى الهجرة بأنواعها، أقصد أحيانا بأجسادهم وأحيانا أخرى بأرواحهم.
لدينا مجنون فن وألوان من نوع مختلف، هو فنان عسير عبدالله حماس، الذي قضى عمره بين الألوان والزيت والماء والفحم، وما شابه من أدوات المجانين منذ سني يفاعته، ليصنع لنفسه اسما تشكيليا في العالم، وبين منتديات أهل الفن في كل مكان ـــ الغربيون لا يطلقون كلمة فن إلا على الرسم والنحت وما شابه ـــ إذ إنه ذلك الذي لم يستقر في نقطة من نقاط خريطة بلاده، فعاش في الجنوب حيث الجذور، ثم في الرياض حيث التلقي العلمي الأول، إلى أن بدأ مبكرا في تدريس الألوان لعاشقيها وإقامة معارضه الشخصية، التي كانت تنبئ عن عبقرية مبكرة لفتت إليه وإلى أعماله أعناق الكثيرين، ثم جدة التي لم تستطع التأثير على الفنان في دواخله، لدرجة إقصاء الأودية والخضار والجبال العسيرية من وجدانه ودواخله، فظل اللون الأخضر متمترسا داخله كما هو الحال مع صنوه عبد الله الشلتي، رغم زرقة جدة التي رأس فيها الكثير من الملتقيات والتجمعات التشكيلية، لعل بيت التشكيليين في جدة أبرزها، وكنه ظل أسير التنقل والترحال شأن الكبار ولم يقتعد له ركنا إداريا، إذ ظل الفنان في دواخله يجبره على عدم الركون للنمطية والسكينة والهدوء، إنك عندما تزور مرسم هذا الفنان في بيته والمقام على مساحة جد كبيرة وتراه مع ألوانه وأعماله، تعرف إلى أي بعد لدينا في مجتمعنا فنانون يشار إليهم بأصابع عالمية، بينما لم تتعرف على إبداعهم أياد بأكملها وعيون على جوهر الفنان في دواخلهم، أخشى أن يأتي يوم نحتاج فيه اللجوء إلى موسوعات العالم، أو إلى ابن العم «قوقل» لنتعرف على فنانينا، لأن زامر الحي استمر في عدم إطرابه لأهل الحي! عبد الله حماس الذي حمل كراكيبه وأسرته كما هي العادة في مثل هذا الوقت من كل عام، إلى أبها ليستبدل قيظ جدة بجمال أجواء أبها إلى ما بعد رمضان، حتما سيأتينا بعد العيد بجديد!
فاصلة ثلاثية منسوبة لدوقلة المنبجي:
بيضاء قد لبس الأديم بهاء
الحسن، فهو لجلدها جلد
ويزين فويديها إذا حسرت
ضافي الغدائر فاحم جعد
فالوجه مثل الصبح مبيض
والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا
والضد يظهر حسنه الضد
صحيفة عكاظ>