(ما أكبر ولاء هذا الشعب وما أوفاه مع وطنه وولاة أمره) قلتها بعد أن رأيت وسم الراتب لا يكفي الحاجة وأسلوبهم الراقي في طرح مشكلتهم وحاجاتهم ، ودهشت أكثر من حجم الوفاء عندما وصلتني رسائل عبر (الواتساب) من أناس أعرف أن رواتبهم قد لا تكفي الحاجة يذكرون بنعمة الأمن والأمان مقارنة بالدول الأخرى ويذكرون بضرورة الاقتصاد والتوفير والصبر وتخفيف الكماليات وطلب الرزق من الرازق بدلا من هذا الوسم الذي قد يضر الوطن ويسبب فتنه !!
ظهرت مقالات وتغريدات تتهم الوسم بالفتنة ، ولأنها خرجت من معروفين و ميسورين لا يقدرون حجم المشكلة كانت مثار لغضب الكثيرين ، بعكس الرسائل التي تخرج من متضررين من مشكلة عدم كفاية الراتب وتحذر من الفتنه فهي ترسم أمامي أسمى معاني الوفاء والولاء لهذا الوطن ، ومادامت المطالبة بالحقوق أتت بأسلوب راقي بعيد عن التحريض والفوضى فأين الفتنة ؟
قناعتي أن مشكلة (الراتب لا يكفي الحاجة ) تظل مشكلة سواء تكلمنا بلسان الطبقة المخملية التي لا تراها إلا لهو وتبذير وفتنه !!، أو تكلمنا بلسان الأوفياء الخائفين على وطنهم من الفتنه مع صبرهم و إيمانهم بوجود المشكلة ، وبما أن المشكلة قائمة فمن الأولى البحث عن حلول لها بدلا من الدوران حولها .
في الوسم وجدت أن الغالبية لا يؤيدون رفع الرواتب لأنه سيصاحبه ارتفاع في أسعار السلع كما تعودنا من جشع تجارنا ، ولكننا نطالب بأن تعيد الدولة إدارة مصادرها المالية بطرق جديدة وذكية وأن تتخلص من الطرق التقليدية القديمة .
قبل يومين سألت متابعي عن متوسط مصروفاتهم للطاقة (كهرباء وبنزين ) فكانت هناك أجوبة مختلفة وبشكل تقريبي كان متوسط مصروفاتهم الشهرية 1200ر.س أي ما يقارب 14400ر.س سنويا للبنزين والكهرباء ، وبحسب ماذكرت صحيفة الرياض في العدد15666 بأن معدل فواتير استهلاك الكهرباء لا يتجاوز 200 ريال ل 80% من المشتركين ، و مع افتراض أن امتلاك سيارتين هو متوسط ما تملكه الأسرة الواحدة وأن كل سيارة تنفق 500 ريال شهريا ، فإن النتيجة 14400ر.س كمتوسط مصروفات الطاقة سنويا للأسرة الواحدة هي أقرب للواقع.
وبحسب تقرير البنك الدولي –صحيفة الإقتصادية الأحد 21 ذو القعدة 1433 هـ. الموافق 07 أكتوبر 2012 العدد 6936 ،فإن مجموع ما تنفقه الدولة أو ما تخسره حقيقة على دعم قطاع الطاقة (الكهرباء والوقود) هو 163 مليار ريال سنويا ، والوقود هنا يشمل البنزين والديزل ووقود الطائرات والنفط المستخدم لمحطات التحلية ومحطات توليد الكهرباء .
لو افترضنا أن عدد سكان المملكة من مواطنين وأجانب هو 27 مليون نسمة فإن نصيب الفرد من هذه المليارات سيكون 6000ر.س سنويا ،هذا يدل على أن 8 مليون وافد يحصلون على دعم حكومي يقدم لهم على طبق من ذهب بمبلغ 48مليار ر.س سنويا !!! على شكل فواتير كهرباء مخفضة وبنزين مخفض مما صنع من الوطن بيئة مثالية للوافد .
إذا كان نصيب الفرد الغير مباشر من هذه المليارات 6000ر.س سنويا أي 36000ر.س للأسرة من 6 أفراد ، فإن الفرق بين ما تنفقه الأسر واقعياً 14400ر.س وبين الدعم الافتراضي 36000ر.س هو 21600ر.س ، السؤال الذي يطرح نفسه أين يذهب هذا الفرق ؟ في الواقع أنه يذهب لغير مستحقيه من التجار والوافدين والمسرفين .
فالحل هو أن نطالب بأن يكون الدعم مباشر للأفراد (المستحقين) بما يقارب 6000ر.س سنويا لكل فرد أو 500ر.س شهريا لكل فرد كبدل طاقة أي ما يقارب 3000ر.س للأسرة من 6 أفراد ، وما كان يصرف من مليارات للوافدين والتجار والمؤسسات تدعم به شركة الكهرباء كتعويض .
الدعم على السلعة يؤدي للإفراط في استهلاكها وكما نعلم أن النفط والطاقة سلعة ناضبة ، بينما الدعم المادي سيؤدي للاقتصاد والتوفير سواء من المواطن البسيط أومن التاجر الغير مستحق للدعم ، كما أن الدعم المادي سيساوي بين للتاجر وبين الموظف عند هذا التاجر كلاهما سيحصل على (500ر.س مثلا)ولكن التاجر سيدفع مبالغ أكبر لفواتير ووقود تبعا لاستهلاكه التجاري.
الدعم الغير مباشر للطاقة يدعم الوافد ويهيئ له البيئة بالمليارات ويعطي التاجر النصيب الأكبر من الكعكة وفي ذلك أمثلة واقعية كثيرة ولا يجد منها المستحق إلا الفتات ، فهل يستحق 8 مليون وافد الحصول على دعم من الحكومة ؟ وهل من العدل أن يحصل التاجر على أضعاف ما يحصل عليه المواطن المستحق ؟
ولأنه وفي ظل عدم وجود شبكة مواصلات عامة ميسرة ولوجود مراحل عمرية متعددة من النساء أوالرجال عجائز وصغار لا يجدي معهن فتح باب قيادة السيارة فإن الوافدين يستغلون حاجتهم لحرية الحركة الآمنة مما يجعلهم في حاجة دائمة لهذا الدعم المادي المباشر وعدم إستفادتهم من الدعم الغير مباشر الذي بالتأكيد يستفيد منه الوافد بدلا منهم!! ، مع العلم أن هناك نساء أرامل ومطلقات أكثر حاجة لهذا الدعم المادي المباشر في تنقلها وقد لاتستفيد من الدعم الغير مباشر.
هناك حلول أخرى لمشكلة عدم كفاية الراتب لأغلب الشعب السعودي كحل دعم الصندوق العقاري ، ومراقبة أسعار السلع التي تتفاوت في نفس المنطقة!! ، وإزالة تشبيك الأراضي وتوزيعها على مستحقيها بعد توفير الخدمات فيها ، ولكني أؤكد على أهمية وضع حد أدنى للرواتب 8000ر.س وحد أعلى50000ر.س مثلا وبدون استثناء لأي فرد سعودي سواء في القطاع الحكومي أو الخاص حتى يتحقق العدل والمساواة وحتى نسيطر على الطبقية المادية التي بدأت في الظهور كمظهر غير صحي لأي بيئة بشرية.
ختاما : لعل وسم الراتب لا يكفي الحاجة يكون سبب في إعادة النظر في طريقة دعم الطاقة ومحاولة تجديدها وترك الطرق التقليدية الغير عادلة .>