عجلة الحياة

كانت فتاة صغيرة بصحبة والدها يسيران يوما من الأيام في الطريق الريفي عندما شاهدا عربة قديمة. انتهز الوالد الحكيم الفرصة لإسداء طفلته حكمة للزمن. قال لطفلته: “الحياة يا صغيرتي مثل عجلة هذه العربة، لا تبقى على حالة واحدة، أحيانا تكون في الأعلى وأحيانا تكون في الأسفل، والعجلة تستمر في الحركة والدوران، جولة تلو الأخرى”.

وتنطلق الحياة بالفتاة، وتمضي في النمو قدما لتصبح ناضجة. وبينما هي كذلك واجهت كثيرا من خيبات الأمل أثناء معترك الحياة، ولعدة مرات، عانت من أشياء أوشكت على تدمير كيانها. لقد فقدت طفلتها، وتوفي قريبها بالسرطان وعانت ضائقة مالية. لقد واجهت كل هذه الظروف في مقتبل حياتها، وخلال تلك المرحلة العصيبة من الزمن، حينما استيقنت بأنها لا يمكن أن تستمر أطول في هذه الحياة، إذا بصوت والدها يتهادى في عقلها: “العجلة تستمر تدور وتدور، ولا شيء يبقى على حاله إلى الأبد”.

أحيانا نذهب بخيالنا إلى حد أن الظروف الراهنة تبدو عصية على التحول، يستحيل تخطيها، نبحث في جوهر حياتنا لفهم الوضع الذي نواجهه، ربما لا نجد معنى لهذا في الوقت الآني. المولى سبحانه هو من يعلم، نحن كبشر نضع معاني غير صحيحة، وحين نكون سلبيين نصل إلى مدى أبعد، حينما نريد دوما أن نفهم الأوضاع بالطريقة السيئة.

كل منا – إن طالت بنا الحياة – سيواجه الفقدان والخسارة في النفس والمال. سننجرح ونتأذى ونتألم ونعاني حتى النخاع ولكن في النهاية لا بد أن نجد القوة داخل أنفسنا على الاستمرار.

كيف ذلك؟ في مثل هذه الأحوال يجب أن نتذكر نصيحة العجلة. نرى حياتنا كالعربة تدور وتستمر في الدوران، الآن نحن في الأسفل لكن عاجلا أم آجلا ستتحول العجلة ونمضي في طريقنا إلى الأعلى مرة أخرى. قد لا يحدث ذلك بين عشية وضحاها لكنه سيحدث. المريض يرقد في الفراش، لكنه غدا سيجوب الكون العريض، المظلوم والمحروم، ليعرف جيدا أنه مجرد وقت وسيعاني من الفائض كما يعاني الجائع من التخمة لاحقا. العجلة تدور وتدور. يجب ألا نكون قاسين على أنفسنا لأن الحزن ينهك حياتنا، يستغرق وقتنا.

إن من أكثر الطرق فعالية للحزن، هي أن تعطي لنفسك الإذن بالحزن. لا مانع من بعض الحزن أحيانا في ظروف معينة، لكن فرق بينه وبين من يجلب الحزن ويستدعيه جيئة وذهابا. حينما نكون في خضم الحزن يبدو لنا العالم ليس كالعالم نفسه. ستأتي الأوقات السعيدة واللحظات الجميلة مرة أخرى. الشيء الرائع في هذا أنه في كل مرة تقودنا العجلة للأسفل، نصعد ونحن أقوى وأمضى. بعد تجاوزك المرحلة العصيبة تجد قوة داخلية لم تكن تعرفها من ذي قبل، تترتب عليها تعزيزات تشعل لديك فتيل الإنجازات.

هذا الوضع المحزن الذي مررت به سينقلب يوما ما لتجربة تسديها لغيرك، وذلك حين تأخذ بيد شخص آخر يمر بنفس الحالة التي مررت بها. ذلك لأن الناس في الأوضاع السيئة تكتسب القوة من الأشخاص الذين مروا بحالات مشابهة ونجحوا في تجاوزها.

الأمر يتعلق بنا نحن لاتخاذ خيار التفكير السعيد أو البقاء في وضعية الحزن. الحزن يستهلك الكثير من طاقاتنا كما سلف. هذه الطاقات يمكن استهلاكها ببدائل جميلة مثمرة لذواتنا ولمجتمعنا. كتقديم عمل تطوعي أو زيارة شخص آخر يعاني معاناتنا السابقة. إن الخوض في مدى سوء الوضع لا يساعد البتة. يمكننا قطع هذه الأفكار واستبدالها ببذل الجهد الواعي للتفكير في الأشياء المفيدة. وحيث إننا نجيد “مقاطعة” السلع كردة فعل لتصحيح الأسعار، فلماذا لا نتبنى كذلك “مقاطعة” الأفكار السلبية بأن نقول – بساطة – لأنفسنا “قف” عن تداول التفكير السلبي ثم تذكر بعض الأوقات السعيدة وفكر بها مليا.

إن تأثير التفكير السلبي على أنفسنا ومجتمعاتنا لهو أشد فتكا من تأثير المخدرات. ربما يتعدى بنا الأمر إلى أن نكون “مروجين” للتفكير السلبي ومستلهمين لتبني الأحزان والأوجاع ونسيان أن العجلة تدور تحملنا إلى الأعلى حيث الوفرة في الفرص الجميلة المفاجئة.
>

شاهد أيضاً

سكر الأجاويد في نهار رمضان

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com