قبل عقدين تقريبا قدمت التقنية مساحات جديدة للتواصل الإنساني بدأت برسائل الـsms ثم تطور التواصل في ظل المقاربة الذكية بين أجهزة المحمول النقالة وبين الكمبيوتر ودعمت هذه الخطوة بتطوير الشركات المشغِّلة لأنظمة الويب مما ساعد على فتح قنوات اتصال جديدة كان من ثمارها ظهور مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر .وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة شعر المبدع أنه وسط طوفان هائل من قنوات الانتشار السريع والمتفاعل .والواقع أننا لا نستطيع أن نحكم بسهولة على مستوى الإنتاج العربي المعاصر، ويجب ألا يتجرأ ناقد على الحكم؛ إذ إن هذا يحتاج منا إلى وقت مضاعف وطويل لتتبع حركة الإنتاج الشعري على شبكة حرة ومتحركة ومتفاعلة، في ظل حركة نشر لا تتوقف وهدير تغريدات أدبية جارف ومواقع إكترونية لا تني تقدم تجارب شعرية ونثرية لا نستطيع من أسف أن نتابعها لكننا يجب على الأقل ألا نصادرها .وإذا كان النقد العربي لم يستطع أن يتابع حركة الإبداع الذي تقذفه مطابع بيروت والمغرب ومصر فأنى له أن يستطيع أن يتتبع هذا الكم الهائل من النشر اليومي بل الساعاتي الذي لا يتوقف؟!.ويجب علينا والأمر كذلك أن نعي على الأقل أن البيان والإبداع العربي لم يتوقف كما يجب على النقاد ألا يحكموا على التجربة العربية من خلال النزر القليل من الدواوين المطبوعة التي تجرأ أصحابها وغامروا بطلب طباعتها، فهناك بإزاء ذلك آلاف القصائد والنصوص والتغريدات مما يحتاج لجهود ضخمة لاستنباته وتقديمه والوقوف عنده ،ومن الظلم الظلم أن نحكم على تجربتنا المعاصرة وعلى الأجيال التي نمت وقبلة نتاجها التقنية أن نوجه دراساتنا النقدية في غير وجهتها مما يجعل الحكم النقدي ظالما لعصره ومغررا بالتاريخ الحقيقي للقصيدة العربية وللنص السردي .
ولعلي أشير هنا إلى ضرورة خروج النقاد عن جدلية مدى تأثير التقنية في النص من عدمها، فالعمل النقدي أكبر من تلك الرؤية التي تجاوزها البحث التقني، فالنص الجديد حاضر في غياب الناقد، ووعي النقاد بمكامن حضور التجربة الجديدة هناك في التقنية بات أمرا ملزما حيث الدواوين المتناثرة في عالم الشبكة الإلكترونية الواسع والتجارب المدهشة التي يجب أن تلج الحرم الأكاديمي ويوجه لها الباحثون لتقديمها ومقاربتها النقدية.
وإني هنا أحذر من جناية تاريخية ستمر بالإبداع المعاصر في ظل تمادي المؤسسات الأكاديمية والثقافية في هجر تجارب الأجيال المعاصرة ونصوصهم السردية والشعرية على المواقع الإلكترونية التي لا تعمر طويلا فما يلبث النص بعد أيام أن يتلاشى حتى يموت وتموت معه تجربة إبداعية ربما تكون مغيّرة، ويأتي الناقد فيصدر حكمه القاصر الذي يرحل للتاريخ على نتاج عربي محدود لا يمثل حركة الأدب المعاصر ولا يصور حركة الأدب الحقيقية.
* رئيس قسم اللغة العربية وآدابها- جامعة الملك خالد>