الإنسان هو محور الحياة ، وهو موضوعها ، وهو المُشترِك في كل تفاصيلها ودقائقها ..
وقد عرض الأدباء إبداعاتهم في الشعر والنثر ، وجعلوا للإنسان نصيبًا كبيرًا من إبداعهم ذلك، فمن الأدباء من جعل الإنسان موضوعه في المدح والرثاء والهجاء ، لكن إبداعهم توقف عند تلك المناسبة التي قيلت فيها القصيدة ، ولم تعد تُتداول ، وصارت تُدْرس حين التأريخ للأدب ، أو تناول سيرة الشاعر .
وآخرون جعلوا النفس الإنسانية بمشكلاتها ، وهمومها ، وآمالها ، وآلامها موضوع نتاجهم ؛ فعاش أدبهم ، وتناقلته الأجيال ، وذاع في البلدان ،
يقول الشاعر دعبل :
يموتُ رديء الشعرِ من غيرِ أهلهِ
وجيدُهُ يبقى وإن مات قائله
وشاعر مثل أحمد شوقي كان ومن خلال عيشه المترف في بلده في أوائل عمره يقول شعرًا ضيقًا موَجَّهًا ، فقصيدة في وصف طابع البريد ، وأخرى في وصف أماكن اللهو والترف ، وها هو يقول عن طابع البريد :
أنا من خمسة وعشرين عاما
لم أُرِح في رضاكم الأقداما
أركب البحر تارة وأجوب ال
برَّ طَورًا وأقطع الأياما
وهو شعر لم يلفت الأنظار ، ولم يحفل به الإنسان ، وحين عاش في المنفى ، عاش الحزن ، والألم ؛ لفراق الوطن ، وبدأ يشعر بمشكلات الإنسان وآلامه ، فقال شعرًا للإنسان خلده التاريخ ، وجعله شاعر العصرالحديث ، وأمير الشعراء ، يقول شوقي في سينيته الذائعة من منفاه : اختلافُ النهارِ والليلِ يُنسي
اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وكاتب كالمنفلوطي كان يكتب هموم الناس ، وينثر معاناتهم ، ويهذب أخلاقهم ، ويرعى قيمهم ، وكان نتاجه مطلب الأدباء والنقاد والقرَّاء بأسلوبٍ ونهجٍ راقَ لبعض النقاد ، ولم يعجب آخرين ، فالعقاد والمازني عابا عليه انفعاله ، بينما كان طه حسين يترقب اليوم الذي تنشر فيه جريدة " المؤيد " مقالات المنفلوطي ؛ ليحجز نسخته منها ، ويقرأها بشغف .. واستمع له وهو يقول : "أتدري ما هو الخُلُق عندي ؟ هو شعور المرء أنه مسؤول أمام ضميره عمَّا يجب أن يفعل " ، ويتابع بقوله : "
ولا الصادق صادقًا حتى يصدق في أفعاله كما يصدق في أقواله " .
وأظن أن التعبير الأدبي عن الإنسان ، ونقل معاناته ، وعرض مشكلاته ، وإمداده بالحكمة ضرورة ملحة ، وإن كانت تجارب الأديب الخاصة ، ومواقفه الحياتية تحتم عليه أحيانًا مدح محسن ، أو رثاء عزيز ، أو وصف مشهد ، أو سرد قصة دون اللجوء إلى السب ، والشتم ، والتهجم وغيرها من الأساليب التي لا تليق بالأديب السامي !!
التعبير الأدبي عن الإنسان سواء أكان شعرًا أو نثرًا هو التعبير الخالد الذي سيحيا في الناس ، وتتناقله الأجيال حين تجد فيه دواء يخفف ألمها ، ويرسم أملها !!
في هذا العالم الذي يعج بالمشكلات ، وتتغير فيه الحياة ، وتتكالب مشكلات الإنسان الاجتماعية ، والاقتصادية وغيرها يبقى التعبير الذي موضوعه الإنسان هو التعبير المطلوب ؛ لذا فالشعراء والكُتاب مطالبون بالإبداع والرقي بفكر الإنسان وذوقه وشعوره ، والتركيز على الجانب الحسن ، وإبراز الصورة المثلى بعيدًا عن التجريح ،والتقريع ، والتأنيب !!
يرى علماء النفس التربويون أن الكلمة هي أثمن شيء ، وهي أرخص شيء !!
فالكلمة تبني ، وقد تهدم .. والكلمة تُطْمئن ، وقد تُقلق !!
فيا من نظم حروفه في عقد موزون مقفى في سماء بحر شعري ، ويا من اختار كلماته في سطر متناغم متوافق في نص نثري ، لا تنسَ بأنك إنسان مبدع ، والإنسانية تنتظر إبداعك ، فأرسل نتاجك أملًا يرقى بالإنسانية ، ويحيي فيها شعور العذوبة والتألق ، ويبني قيمتها كنفس مُيزت ، وفُضلت عن سائر الكائنات !!
واعلم بأن الإنسان لن يحفظ إلا أدبًا مسَّ وجدانه ، ولامس شغاف قلبه ، وداوى جراحه ، وواسى أحزانه ، وأحيا فيه الأمل !!!>
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …