لم أجد تفسيراً موضوعياً يشفي العليل ويروي الغليل لما يحدث من فوضى مرورية في شوارعنا ،وأتوقع أن جميع الحلول والإجراءات والتدابير التي اتخذتها أو تنوي اتخاذها أو لم تتخذها إدارات المرور لإيقاف مسلسل الفوضى المرورية لم يُكتب لها النجاح لأن رجل المرور أصبح جزءاً من المشكلة حينما عطَّل القانون المروري أولاً ،وتماهى مع هذه الفوضى ثانياً ،ولم يسبر أغوارها ويدرك مخاطرها ثالثاً….
إنها الفوضى التي ترجمتها الإحصاءات الرسمية لحوادث المرور في المملكة خلال سنة تتحدث عن (6000) قتيل و(40000)ألف مصاب وخسائر مادية وصلت إلى ( 24 ) بليون ريال ناهيك عن ارتدادات هذه الحوادث على البنية الاجتماعية والذهنية والصحية ،أطفالٌ تُيتَم ،ونساءُ تُرمَّل ،وأسرُ تضيع، وعاهات مستديمة ،وفاقد اقتصادي يساوي ميزانية دولة إفريقية بأكملها ، كل هذا يحتاج إلى وقفةٍ جادة ،وحلولٍ عاجلة ،واجتماعٍ طارئ لاتخاذ التدابير اللازمة حيال هذه الخسائر المهولة، والحالة الكارثية.
في حرب غزة الأخيرة نهاية 2008م وقف العالم بشجبه واستنكاره و قراراته حتى وضعت الحرب أوزارها بعد أن أُمطرت غزة بوابل من القذائف الفسفورية والانشطارية في ما يسمى بعملية الرصاص المصبوب لكن الخسائر لم تتجاوز( 1417)شهيداً و(5450)مصاباً ، أما حوادثنا فلا بواكي لها.
نحن أمام مُشكلة ينبغي الاعتراف بها وعدم تجاهلها إننا في حرب غير مُعلنة مع السيارات أسميتها في مقال سابق (بحرب الشوارع )هذه الحرب تُدار رحاها في شوارعنا ومياديننا ويصطلي بنارها الأبرياء ويُذكي لهيبها ويشعلها السائق المستهتر الذي لا حرمة للطريق عنده ،ولا قيمة للغير لديه،وبالتالي فشوارعنا لم تَعُد صالحة للاستعمال الآدمي ، أُختطفت في وضح النهار من قبل السائق الموتور الذي لا حرمة للطريق عنده ، ولا أولوية للغير في أبجدياته، ولا رادع يردعه ، ذلك السائق المستهتر هو الذي أشاع ثقافة الفوضى ، وسيَّد الهمجية ، وآثر الأنانية ،وارتكب الحماقة،فأصبحت شوارعنا مصائد لانتهاك خصوصياتنا ،وميدانا للتنافس والتحدي والسباق المحموم من قبل السائق المستهتر الذي يستميت ليصبح الأول عند إشارة المرور الحمراء رغم أرتال المركبات التي تخطاها وتجاوزها ، لا تعني له الإشارة الحمراء شيئاً ولا يرى حرجاً في قطعها،الشارع عنده مكاناً مناسباً لممارسة هواية التفحيط والمعاكسة والترقيص والتقليعات المجنونة، يستهويه إقفال الشارع لمحادثة زميله بِلا مبالاة لمشاعر وحقوق الآخرين.
والسؤال الذي يطرح نفسه وأطرحه بحرقة أين رجل المرور الذي لا نشك في مهنيته واقتداره؟!! الذي يُمثل رافعة قوية لرصد وضبط وتحسين السلوك المروري.
أين رمزية وهيبة ومقام رجل المرور في الميدان ؟!! أراه غُيِّب أو تَغيب ولم تُفلح الإشارة الضوئية واللوحات الإرشادية والمطبات الاصطناعية ونظام ساهر في شَغل مكان رجل المرور الذي نتمنى أن يعود إلى الميدان بشكل كبير ويبسط نفوذه ويُسيِّد القانون المروري بكل كفاءة واقتدار.
لماذا؟!! مشكلة التفحيط على أبواب المدارس التي تشكل خطراً على أبناءنا لا تجدُ لها حلاً جذرياً وإنما يُكتفى بدغدغة ومعالجة سطحية تجعل المراهق المفحط بعدها يتعافى ويصبح اصلب عوداً من ذي قبل!! (ابشر بطول سلامة يا مربع)
لماذا؟!! يتقن السائق مهارة القيادة ويلتزم بالقانون المروري خارج وطنه ويعتذر عن الالتزام بأدبيات القيادة داخل وطنه.
أَحْمِلُ العتب الشديد لإدارات المرور في خططها الميدانية حينما قلَّلت من ضخ عدد كافٍ من رجال المرور في الميدان إذ لوكان رجل المرور حاضراً بقوة لوجدنا الكثير من المشكلات المرورية قد رُحِّلت، وكانت الحوادث والمشكلات المرورية في أدنى مستوياتها ،لكن الإحصاءات السابقة تشير إلى أن مستوى الوعي المروري لدينا متدنٍ بسبب افتقادنا لرجل المرور الذي يُفترض أن يكون حاضراً لمعاينة مسرح العمليات والأخذ على يد المخالف وممارسة التوعية المرورية.
ماذا ننتظر أن تُنتج شوارعنا في ظل تدني الوعي المروري إلاَّ مجتمعاً معاقاً ،وفاقداَ اقتصاديا باهضاً ،وأنانية مفرطة ،وتخلُفاً يُعيق عجلة التنمية، هذه هي النتيجة الحتمية والطبيعية للفوضى ،والمعادلة الصحيحة للحالة التي نعيشها فمتى تتوقف هذه الحرب غير المحسوبة عن بلد كان ينبغي أن يكون مدرسة راقية لتعليم القيادة الآمنة.
المدرس بمعهد أبها العلمي
عضو النادي الأدبي في أبها
>