حل يوم الأربعاء علينا بتاريخ الـ 18 من ديسمبر، وهو اليوم الذي قررته هيئة اليونسكو للاحتفاء بلغتنا العربية، وعنوان الاحتفال بها لهذا العام تحت شعار «دور الإعلام في تقوية أو إضعاف اللغة العربية» وقبل الدخول لمناقشة ذلك، ينبغي لنا أن نعلم بأنه لا خوف على ضياع لغتنا العربية – بعون الله -؛ وذلك لأنها محفوظة بحفظ القرآن الكريم، والمسلمون في كل يوم يقرؤون القرآن الكريم ويتلونه، وبذلك فهم مرتبطون بلغتهم، لارتباطهم بدينهم، وبكتابهم العظيم، رغم ما عرفناه وقرأنا عنه، من دعاوى لم تنجح للقضاء على اللغة العربية، كانت تسعى لتقديم اللهجات، وتفضيلها على العربية، لكن السؤال الذي يلاحقنا الآن ، هل للإعلام من دور في تقوية اللغة العربية أو إضعافها؟ بداية لن أخوض في تناول كل وسائل الإعلام هنا وأثرها الإيجابي أو السلبي على اللغة العربية ، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، ودورها في هذا الأمر، سواء بما أفسحته من مجال للكتابة والإبداع باللغة العربية، وظهور كتابات ومبدعين، وهو أثر إيجابي، أو أثرها السلبي على اللغة، متمثل في وجود أخطاء لغوية «نحوية، إملائية وأسلوبية» في «التويتر والفيسبوك» أو»اليوتيوب» وكلنا يعلم أن أغلب برامجه يقدمها شباب يعتمدون على اللهجة، وظهور إذاعات الـ»fm» التي لا تعترف إلا باللهجات في تقديم برامجها، وهي الأكثر متابعة واستماعاً من فئة الشباب لهذا سأركز حديثي هنا، على الوسيلة المرئية الأكثر جذبا والمتمثلة في «التلفزيون» والفضاء اليوم يعج بآلاف القنوات الفضائية، التي أراها قد استفادت من اللغة العربية، ونجحت في تقريب مفرداتها لمسمع المتلقي، ورسختها عنده، سواء أكانت مفردات، أو عبارات، أو تراكيب، ولا ننسى ونحن نتحدث عن هذا الجانب برامج سابقة كـ «افتح يا سمسم أبوابك» وبعض المسلسلات التاريخية، وبرامج المسابقات الثقافية كبرنامج «حروف» وما كان لها من أثر إيجابي على لغة الأطفال خاصة، وطلاب المدارس عامة، آنذاك؛ إلا أن الإعلام المرئي بالأخص، لم يكن بتلك الإيجابية الدائمة في مجمل ما يقدمه، ليكون معلّما وفيا للغتنا العربية، أو حارسا أمينا عليها، فمعظم البرامج المقدمة اليوم تحديدا في الهواء الفضائي، وأعني البرامج القريبة من الناس، التي تلقى قبولا عندهم، وتحظى بمشاهدة أعلى، اعتمدت على اللهجّات الدارجة، وأفرط مقدموها وهم من جنسيات عربية مختلفة في استعمال لهجاتهم وتسويقها؛ لشعورهم بأن ذلك أقرب للناس، وأن شعبية الرامج تستدعي منهم النأي عن الفصحى، لهذا فهم يستعملون لهجات بلدانهم، هنا كان بعض الضرر على المتلّقي ولغته العربية، وبخاصة حين يكون المتلقّي من الأطفال، ومن طلاب المدارس في مراحلهم العمرية المختلفة، فهم يتأثّرون بما يسمعونه من اللهجات حين تلقى على أسماعهم، ويسعون إلى تقليدها، وأضرب مثلا نجاح برنامج «عرب جوت تالنت» في تسويق لهجات مقدميه، و»المسلسلات المدبلجة التركية وغيرها» التي تقدم بلهجات عربية، إضافة إلى ذلك أن أغلب البرامج المقدمّة في القنوات الفضائية، لا تعنى بالفصحى، وفي غالبها تقدم للمشاهد بلهجات عربية بحسب مقدميها، علاوة على أن الإعلانات التجارية تعتمد اللهجات، لأنها ترى أنها أسرع للوصول للمشاهد، هذا الطغيان للهجات على اللغة العربية الفصيحة في موجة البرامج الكثيرة التي تعرضها الأقنية الفضائية، تتوارى خلفها برامج الفصحى، وبدون شك أن ذلك يؤثر تأثيرا سلبيا، وظاهر للعيان، على اللغة العربية عند المتلقين، رغم وجود برامج تقدم بالفصحى، ولكنها تبقى مقصورة في مشاهدتها على المهتمين بها من أصحاب الأدب والثقافة من النخب، مع أننا نسمع من يميل إلى إدخال مفردات إنجليزية في أحاديثه، حتى في وسط النخب المتعلمّة، وكأن لغتهم تعجز عن توفير البديل لهم عند رغبتهم في التعبير عن أي معنى من المعاني، وقد قال عن ذلك حافظ إبراهيم:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية.. وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ..وتنسيق أسماء لمخترعات
لكنها كما قال – رحمه الله – «لوثة الإفرنج»، ولهذا حتى تبقى لغتنا العربية حية على ألسنة أبنائها، يجب الالتفات إلى طرائق تدريسها لطلابنا بمدارسنا، والعناية بمناهجها، وبأساليب بنائها، ومناشطها، وأن يهتم الإعلام بكل وسائطه، وبخاصة الإعلام المرئي، الاحتفاء باللغة العربية، ويسعى إلى صناعة برامج مشوقة وممتعة، تحظى بالمشاهدة لدى القاعدة العريضة من المشاهدين، تحتفي باللغة العربية، ولا تتنكر لها.