كتب – إبراهيم الهلالي :
إذا كنت سعودياً وعمرك لايتجاوز الأربعين عاماً فمؤكدٌ أنك لاتعرف وزيراً لخارجية بلادك غير الأمير سعود الفيصل الذي ظل حاملاً للواء الدبلوماسية السعودية قبل أن يعلن الديوان الملكي السعودي صباح الأربعاء التاسع والعشرين من إبريل الماضي إعفاءه من منصبه بناءً على طلبه بعد أن عانى من مشاكل صحية عديدة خلال الأعوام الأخيرة .
تحتفظ ذاكرة السعوديين بالمئات من المشاهد والأحداث التي كان الأمير سعود الفيصل عاملاً مشتركاً فيها جميعاً ، الفيصل الذي أمضى أربعين عاماً يتنقل بين عواصم العالم ومدنه مدافعاً عن مواقف المملكة وشارحاً لسياساتها كما جاء في برقية الشكر التي أرسلها له العاهل السعودي الملك سلمان في اليوم التالي لإعفائه من وزارة الخارجية وإسنادها لأحد تلامذته الصاعدين الوزير عادل الجبير .
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لم يكن الوحيد الذي أظهر مشاعر الشكر والتقدير للأمير المخضرم بل شاركه أفراد العائلة الحاكمة وأطياف واسعة من السعوديين الذين تفاعلوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حيث لم تمض ساعات على خبر تنحي الفيصل عن منصبه حتى كان هاشتاق #شكرا_سعود_الفيصل هو الهاشتاق الأبرز في السعودية على موقع التواصل تويتر وفيه عبر السعوديون عن تقديرهم العميق للفيصل ومسيرته الحافلة .
ولد الأمير سعود الفيصل آل سعود في مطلع يناير من العام 1940م ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الولايات المتحدة عام 1963م ، حيث عمل منذ ذلك الحين في وزارة البترول والثروة المعدنية ، قبل أن يصدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للخارجية في الثالث عشر من أكتوبر سنة 1975م .
في سن الخامسة والثلاثين أصبح الأمير سعود الفيصل وزيراً للخارجية لتبدأ منذ ذلك الحين مسيرة طويلة حافلة حاز فيها الأمير السعودي الشجاع على الإعجاب والتقدير من كل ساسة العالم وزعماءه .
فارس المنابر
الأمير سعود الفيصل اشتهر بتصريحاته القوية ومواقفه الثابتة ولعل أشهرها أيام حربي الخليج الأولى والثانية ، حيث كان الفيصل يطل أسبوعياً في مؤتمر صحافي أيام حرب الخليج الأولى وقاد حملة دبلوماسية وإعلامية موازية للحملة العسكرية التي انتهت بتحرير الكويت وطرد صدام حسين منها ، وفي هذه المؤتمرات تجلى دهاء الفيصل السياسي وحنكته في التعامل مع الإعلام والإعلاميين وهي صفة ظلت ملازمة له طوال مسيرته .
وإذا كان الفيصل فارس المؤتمرات والتصريحات فإنه أيضاً فارس الأفعال والمواقف ، حيث لايزال الكثيرون يذكرون خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للعدوان الإسرائيلي وأيضاً دعمه للثورة السورية وغيرها من القضايا العادلة ، و مؤخراً استرجع السعوديون تصريحاته حول المليشيات الحوثية في اليمن واستفزازها للمملكة وتأكيده علی أن المملكة لن تسمح للحوثيين و أتباع الرئيس السابق علي صالح بالتمادي ، وهو التهديد الذي تم تنفيذه بعد أسابيع عندما دمر الطيران السعودي ومعه قوات التحالف العربي مواقع هذه المليشيات في عملية عسكرية عُرفت إعلامياً بـ “عاصفة الحزم” ، وغير ذلك من المواقف التي سجلها الفيصل وحظيت بالتقدير والإعجاب وأثبتت مكانة الرجل القوي عربيا ودوليا ً .
عميد الدبلوماسيين
تلك القوة والمكانة عبر عنها غير واحد من سياسي وقادة العالم ؛ فمرة قال وزير الخارجية القطري “إنه عندما يغضب سعود الفيصل فإنه يُربك العالم” ، فيما وصفه جون كيري وزير الخارجية الأميركي بأنه أحد أعظم الدبلوماسيين في العالم ، و مؤلفات السياسين ومذكرات زعماء العالم مليئة بالقصص والمواقف التي تثبت ما قدمه الرجل والمكانة التي بلغها على الصعيد الدولي ، وغني عن الذكر القول بأن الفيصل هو عميد وزراء الخارجية في العالم وأكثرهم خبرة وحنكة وتجربة ، ولذلك فإنه يحظی بإعجاب الخصوم قبل المحبين في ظاهرة نادرة الحدوث علی مسرح السياسة الدولية .
منذ تولي الأمير سعود الفيصل وزارة الخارجية عمل تحت قيادة أربعة ملوك هم الملك خالد بن عبدالعزيز والملك فهد بن عبدالعزيز والملك عبدالله بن عبدالعزيز والملك سلمان بن عبدالعزيز ، بالإضافة لملازمته لوالده الملك فيصل ، إلا أن الفترة العظمى من عمله ارتبطت بعهدي الملكين الراحلين فهد وعبدالله ، الأخير الذي كان يحتفظ له الأمير سعود بمشاعر تقدير خاصة تجلت في خطابه الأخير أمام مجلس الشورى الذي ذرف فيه الدموع وهو ينعى الملك الراحل حيث لم يتمكن من حضور مراسم تشييعه نظراً لظروفه الصحية ، بل إن الملك الراحل بنفسه كان من أشد المحبين للأمير سعود وتجلى ذلك في زيارته للأمير عام 2013م بعد إجراء الفيصل عملية جراحية رغم ما كان يعانيه الملك عبدالله – آنذاك- من ظروف صحية وتقدم في العمر .
على الجانب الشخصي فقد عانى الأمير سعود الفيصل في السنوات الأخيرة من عدة مشاكل صحية وأجرى عدة عمليات جراحية ، ولم يثنه ذلك عن التحامل على آلامه ومواصلة العمل وتمثيل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية وآخرها قبل أسابيع في مؤتمر القمة العربية بجمهورية مصر ، لكن كان من الواضح أن الأمير المحارب يرغب منذ فترة في ” استراحة ” بل إنه عبر أكثر من مرة وبطرق غير مباشرة عن رغبته في التوقف واعتزال الحياة السياسة ولعل آخرها كان عام 2013م عندما قال مداعباً الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إنه كان زميلاً لأبيه واليوم يزامله ولا يتمنى بالطبع أن يُزامل شخصاً ثالثاً من العائلة لأنه أمضى طويلاً في هذا المجال ..!
يُعرف عن سعود الفيصل بساطته وانصرافه الدائم لأعماله في وزارة الخارجية حيث عرف عنه الجدية في العمل والإتقان ، وعلى الصعيد الشخصي والمظهر الشكلي فإن الأمير الفيصل يظهر بالزي الرسمي السعودي في أغلب الأحيان – حاله في ذلك حال كل المسؤولين الرسميين السعوديين – إلا أن هناك ملاحظة حول تفضيل الأمير سعود ارتداء الشماغ الأحمر دون الغترة البيضاء وهو ما لفت نظر الكثير من السياسيين الذي قابلوه خصوصا الأوربيين والأمريكيين ومنهم المستشار الألماني هيلموث كول الذي سأل مرةً الوزير الراحل غازي القصيبي : لماذا الملك وكل الأمراء يرتدون الغترة البيضاء باستثناء سعود الفيصل، وهل هذا يدل على مكانة الشخص؟ وحينها شرح القصيبي للمستشار أن الأمر يتعلق بالذوق الشخصي ولا علاقة له من قريب أو بعيد بموضوع المكانة !
ترجل فارس الخارجية السعودية والرجل الذي تصدر المشهد الدبلوماسي السعودي لأربعة عقود بعدما صنع إرثاً خالداً سيصبح مادة لكليات وأساتذة العلوم السياسية في الجامعات الدولية ، لكن القيادة السعودية لم تشأ التفريط في خبرة وتجربة الأمير الوزير فأصدر العاهل السعودي الملك سلمان أمره بتعيين الأمير سعود الفيصل مستشاراً خاصاً ومبعوثاً له ومشرفاً على الشؤون الخارجية للمملكة العربية السعودية .
>