قريتي والراحلون..!
فايع آل مشيرة عسيري
بين مساريب قريتي المظلمة..حيث خطوات أبي وقدميه النحيلتين..خلف فانوسه الأحمر..مازلت أبحث في تجاعيده التقية..عن حي على الصلاة،،حي على الفلاح..
هناك تتوق بي أصوات مؤذنينا الراحلين،،في رحلتي مازلت أبحث عن وجوه غيبها الزمان حيث لم يبق سوى المكان يقض مضاجع عيوننا،يالهذه الوجوه ويالهذه القلوب ترحل وتتركنا نحزن،نقبو تحت جذوة الحسرة،نتجرع علقم الألم،يحل رمضان ضيفاً عزيزاً يخيط من عيوننا رائحة الجدات،وعادات الطيبين..
يرمضون مع أولى ليالِ رمضان كأنهم يعلمون بأنهم سيرحلون عنَّـا يبتسمون لرمضان حتى تخالهم القلوب التي يأتي من أجلها رمضان..يسافرون في حكاياتهم لماضيهم وذكرياتهم نتسمر أمام أحاديثهم فلم يكن أمامنا غير القناة السعودية الأولى وصلاة الحرم..حتى قريتي كانت أكثر جمالاً ووسامة في عيونهم وفي خطواتهم تشعر بنفحاتٍٍ إيمانية كلما واصلوا الدعوات والدمعات..أتراهم يقطنون في آذان قريتي التي أُصيبت بحالة من الفقد،والحسرة بعدهم
بكيتها كما بكت عادات وتقاليد أهلها وجمعتهم،وأنسهم،وإفطارهم،وأطباق رمضان والجيران حتى تشعر بأن رمضان يجمعنا قلباً وروحاً ونبضاً وطعاماً وشراباً وليست عبارة دعائية في فاصل قناةٍ لا تريد إلا كسب الكثير من الأرباح المادية..
وفي الفراق يعرف الحزن أهله..وللحزن وطن يعرف الفراق،والوداع..
أمالهذا الفراق نهاية..؟!
خطواتي المثقلة بالحنين،والهجير وعجاج الظروف وهجرة الأوطان،مازلت في في غربتي وبعدي،أقضم كسرات خبز يابس،أبحث ع لحافي وعن قافلة توصلني قريتي فمازلت أتقصى الأثر على خطى راحلين مغادرين،بين الماضي والحاضر أجدني أستجدي ذاكرة طفولة من حديد لا تنسى.. وفي رحلتي المستمرة أمتطيت صهوة الظلام في قريتنا القديمة شمالاً حيث الإيحاء والأثر،وأهلها الذين واروا أهلهم ثم أستفاقوا فرحلوا..!
أطوي صفحة ماض كان يقرأ القرآن،ويوزع حبات التمر،ويتشبث برمضان..يلتحف بإحرامه الأبيض يناجي ربه،ويتضرَّع في خشيةٍ،وبكاء..كأننا نودعه،أو كأنه يودعنا..رمضان يبقى هادئاً في قريتي إلا حين نرى الفانوس والقمر وحكواتي قريتي والرجل الذي غاب عن قريتي طويلاً وحين عاد في رمضان رحل مع رمضان..
ومضة:
يحل علينا رمضان ونستعيد معه الكثير من روحانياته وإنسانياته
نشعر بالراحلين،والمساكين،والمرضى.>