** رحلة الحج لها طابعها الخاص ومشاهدها الخالدة التي تبقى محفورة في وجدان كل من تفضل الله عليه بأداء هذا النسك العظيم ، ذلك أن تلك المشاهد تطير بك في فضاء واسع من التأملات لكل أولئك الذين قدموا من جهات الدنيا الأربع ليجتمعوا في بقعة واحدة يجمعهم أمل واحد هو قبول حجهم والفوز بمغفرة ربهم .
** رجل قادم من أدغال إفريقيا ، وسيدة أتت من أقصى آسيا ، وعجوز من وسط أوربا ، كل هؤلاء قدموا (..من كل فج عميق) تلبية للنداء (وأذن في الناس بالحج ..) واجتمعوا متجاوزين الإختلافات العرقية والجغرافية والتاريخية فالرابطة أوثق وأمتن .. إنها رابطة الدين وحبله المتين الذي جمع القلوب في مكان محدد وزمان معين ، طافوا بالبيت العتيق ملبين مستغفرين ، ووقفوا على صعيد عرفات ليرفعوا الأكف للسماء مبتهلين ، وفي منى صدعوا بالتكبير والتهليل والتحميد .
** الحج مدرسة إيمانية ، ومعهد روحي يعلم النفس الصبر ومكارم الأخلاق وقيمة التعايش والمشاركة والبذل ، فيه تتعلم مساعدة الآخر والإيثار والعطاء دون بحث عن مصلحة أو منفعة شخصية ، بل الدافع يبقى إنسانيا خالصاً منطلقهُ في ذلك دينٌ يحض على العطاء وتقديم الخير للآخرين (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس) .
** الحج أيام معدودات ، لكن دروسها ومشاهدها تغني عن سنوات من التجارب ، وليتنا نستمر بقية العام متمثلين أخلاق وقيم ومبادئ أيام الحج ؛ ترى هل كنا سنرى مشاهد القتل والتدمير والتحارب التي نراها تعصف بأمتنا ، وهل كنا سنسمع عبارات الإقصاء والكراهية والتطرف التي تطغى على خطابنا الفكري والاجتماعي لو أننا طبقنا ما علمتنا إياه مدرسة الحج من عفو وسمو وتعايش ؟!
** يمضي الحج وتبقى مشاهده خالدة في الأذهان وكل مشهد لوحده يمثل أنموذجا من نماذج عظمة هذا الدين وسماحته ووسطيته ومساواته بين البشر على اختلاف لغاتهم ومشاربهم وبلدانهم ، وكل عام وأنتم بخير .
قفلة للشاعر عيسى جرابا :
لبيك يا الله … ما أحلاه من
نغم يفيض عقيدة .. وسلاما
لبيك ماطاف الحجيج وماسعوا
يرجون عفوك سُجداً وقياما
إبراهيم الهلالي>