نوبل إبراهيم طالع..!

image

فايع آل مشيرة عسيري 

      يلتحفُ ببردته المقلَّمة بألوان الطيف التي لا يجيد قرأتهـا إلا سهيل اميماني،تلك الألوان الزاهية،والتي تمنحنا لذَّة الدفء،ونشوة القرب من “ابر فاطمة” كي نرى حكايات تهامة،وجبالهـا الشماء،وتجاعيد طرقهـا،وحبات قمحهـا،وذرتها..نرى المطر،ورائحة الطين الذي يتمازج بعضها بعضاً..فيعطينا لُحمة القبيلة،وعادات تهامة الأصيلة،ويكون ثقافة الإنتماء روحاً،وجسداً..بردة ابرصياد التي كثيراً ما كانت شاهدة عصر في ثوراته الفكرية،وصراعاته الثقافية،ووطنيته الصادقة..بردة ابرصياد التي تتشبث به كمعشوقةٍ تشتمُ في هذا التهامي ذو السحنة الحنطية أصالة الماضي،وحكايات الأجداد،وتراتيل الأمهات..حين “يدرهن ” بأطفالهن في “هندولٍ” مصنوعاً من كسوة زواج،أو هدية عيدٍ،أو حج،وبقايا “حط” من البن “مصرور”في منديلٍ أصفرٍ،و”مسفعٍ” مزركشٍ يمنحُ تلك المعشوقة التشبث طويلاً بهذا المعشوق التهامي الذي حين يغني لها لا تملكُ قلبهـا،ولا دموعها..؟!
هذه البردة التي يجدُ فيهـا سلوةً تغنيه عن كل الشعر،والنثر،فهو يحب الحياة،ولم يحترف الكتابة..بل يعيش الحياة بطمع الجمال والإبداع،ويسقطُ جماله على قرص الشمس كي يمنح الناس حرية التعايش،والسلام،والحب،والأمان..ابرصياد الذي يمسك على بردته بيدٍ حانية في ليالِ السروات القارسة كي يمنح تباريحه التهامية قبلةً دافئة وبلهجته التهـامية اللذيذة يصدحُ ” الله يسقيش يا تهامة لا ضبابٍ ولا بردِ”..ابرصياد الذي وهو يصطاد أفكاره ويستمد قوته مع كل طلقاته النارية المدوَّية،وقناعاته من فرائسه التي يصيب كبدها،وكبد الحقيقة..!
ابرصياد الذي يستطيلُ بطروقه الشعبية كلَّما عصفت به ذكرياته،وأحلامه ونجابته مع بلاد أمتهايم ورحلاته الدراسية،وبر السراةومواسم الحصاد..ابرفاطمة الذي رأى فيما يرى النائم إنه في عرسٍ تهامي وإيقاعات” الزير”،و” الزلفة” ترأب صدع القبيلة كي يصطفوا في صفين ويقودهم هذا التهامي نحو عين سهيل اميماني علواً ورفعةً ومنزلةً..يلوث عليه قومه كي يمنحهم الرأي،والحكمة..!
يستجدونه،ويمسكون بأطراف بردته كي تمنحهم روحه الجميلة التي يقال بأنها تملك أرثاً عسيرياً تهامياً سروياً رأى في منامه الأتراك،وعقبة أمصماء..وكهانة حرف،يزاحمُ الجمال كي يذيب رحلات الإسفار والأمصار..ابرصياد الذي حين ينزلُ بندقيته ويعود ليقبل رأس أبيه،وأمه،وجدته يقولون له :
ابرفاطمة الذي يحتبي ببردته،ويحتسي قهوته المحوَّرة،وينتزع نآيه الحزين بين كومة القصب الممطور كي يبوح بأسراره في خيوط أزمنة تحصدُ الشمس عند المغيب،وتلتحف السنابل،والجبال،والطيور،ولومة الثيران،صوت الغانيات على مفرق الذكريات تكتسي العشش،والسهوات،وفزاعات الطيورأهازيج الحصَّادين،والحميان،وتصفير الرعيان..!
ابر فاطمة الذي يحاول أن يبني وجه الثقافة،والحجر وإن تهدَّم..ويسابق السيل ففي وجهه لهفة الطفولة،والشويطة،وغواية الصبايا على خديه،وعصابة الكادي قد طوَّقت عنق البرك،وجيد الرياحين،وشفاه السكب الأصفر المخضَّبُ بالسمرات..
ابرمصياد..ابرفاطمة.. ابرطالع
التحف ببردته الدريهمية،وأغمض عينيه كي يلتقي بأحلامه الطفولية الشاردة في ليلةِ ابرمصياد وبردته التهامية ليكون ديواناً عظيماً يصعب على اللاهثين بعده ” وآفاطمة ” رثاء لكل أمهات الدنيا كان ثمن هذا الديوان جائزة أبها ” نوبل إبراهيم طالع “.

ومضة:
حين يُلقي ابرصياد بردته على وجه الجزيرة ترتدُ بصيرةً،وتمتات تهمس للثقافة هذا ديوانه ديوان أمَّنا
“وآ فاطمة”.

>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com