أربع رسائل لداعش
أ.د /عبدالعزيز بن عمر القنصل الغامدي
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة
جامعة الملك خالد
-أبها-
صحيفة عسير : فايع عسيري
الرسالة الأولى: وجوب طاعة ولي الأمر .
يقوم منهج أهل السنة والجماعة على الوسطية في عقائده، وتشريعاته، وأخلاقه، فلا غلوّ وتطرّف، ولا جفاءٌ وإرجاء، ومن أصول العقيدة الصحيحة التي جاء بها نبي الرّحمة صلى الله عليه وسلم السمعُ والطاعة لولاة الأمر، وهذا الأمر بالسمع والطاعة مشروطٌ بالمعروف، فإذا أمر آمرٌ بمعصية الله تعالى فلا سمع ولا طاعة، كما نبّه عليه الصلاة والسلام أنّ من مات وليس في عنقه بيعةٌ لولي الأمر فميتته والعياذ بالله ميتةٌ جاهليّة، وأهل الجاهلية أحسن أحوالهم أنهم أهل فترة، فهذا حكم من مات وليس في عنقه بيعةٌ . وقد أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمر في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال الله عزّ وجل” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ( )” وأولوا الأمر هنا هم العلماء كما قال ذلك أكثر من واحد من علماء أهل السنة والجماعة( )، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: عليَّ أن أطيع الله ورسوله، وأطيع أولي الأمر إذا أمروني بطاعة الله، فإذا أمروني بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هكذا دلّ عليه الكتاب والسنة، واتّفق عليه أئمة الأمّة، قال تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ( )” وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه والسلام.
___________________________________
([1]) سورة النساء. آية: 59 .
([1]) انظر: جامع البيان للطبري( 4: 147 ) وفتح القدير للشوكاني( 1: 726 ) وتفسير البيضاني للبيضاني( 1: 205 ) والدّرّ المنثور للسيوطي( 2: 574 ) .
([1]) سورة النساء. آية: 59 .
أنّه قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق([1])، وأن أصبر على جور الأئمّة ولا أخرج عليهم في فتنة([2]) .
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى” ولا نرى الخروج على أئمّتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزَعُ يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزّ وجلّ فريضة مالم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة([3])، ويدل على هذا القول السديد قوله صلى الله عليه وسلّم” من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني([4])” وقال صلى الله عليه وسلم” من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنّه من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتةً جاهليّة”([5]) .
قال ابن أبي العزّ رحمه الله تعالى: وأماّ لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنّه يترتّب على الخروج على طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السّيئات، ومضاعفة الأجور، فإنّ الله تعالى ما سلّطهم علينا إلاّ لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل([6]) .
قال الشيخ السِّعدِي رحمه الله: وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من الأمراء، والحكام، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم،
______________________________________
([1]) الحديث في موطّأ الإمام مالك( 3: 372ح: 899 ) وسنن الترمذي( 4: 209ح: 1707 ) ومسند أحمد( 1: 131ح: 1095 ) وقال الأرنؤوط: على شرط الشيخين، وصحّحه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير( 1: 1348ح: 13477 ) .
([2]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام( 3: 249 ) .
([3]) انظر: العقيدة الطحاوية( 1: 379 ) وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإماع الصحابة لأبي منصور اللالكائي( 1: 177) .
([4]) أخرجه البخاري( 3: 1080ح: 2797 ) ومسلم( 3: 1466ح: 1835 ) .
([5]) أخرجه البخاري( 6: 2588:ح: 6646 ) ومسلم( 3: 1477 ح: 1849 ) .
([6]) انظر: شرح العقيدة لابن أبي العزّ( 1: 379 ) .
طاعة لله، ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط، أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق([1]) .
وقد أمر صلى الله عليه وسلّم بوجوب طاعة ولاة الأمر وإن ظهر منهم معصية لما يترتّب على مخالفتهم والخروج عليهم استباحة بيضة المسلمين، وتسليط العدوّ عليهم، وهذا بلا شكٍ أعظمُ بكثير من معصيتهم، وهذا الأمر بوجوب الطاعة يتّضح في آخر الزّمان، وتغيّر الأحوال، ولهذا قال صلى الله عليه وسلّم” ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يداً من طاعة([2])، ومن نزع يده من طاعة وليّ الأمر لقي الله تعالى يوم القيامة وليس له حجّة، ومن لقيه وليس له حجّة فإنّ مصيره والعياذ بالله في النار، قال صلى الله عليه وسلّم” من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له([3]) .
ومن منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم السمع والطاعة، والنهي عن الخروج على الوالي ولو كان على مذهب مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففهي عهد الخليفة الواثق الّذي نشر القول بخلق القرءان الكريم، وفتن الناسَ به، وأجبرهم عليه، وكان البلاء في عهده أشد مما كان في عهد المأمون والمعتصم، فأراد فقهاءُ بغداد أن يخلعوا الخليفة الواثق بالله، وعند ذلك نهاهم إمام أهل السنة والجماعة: أحمد بن حنبل عن ذلك، مع أنّ القول بخلق القرءان الكريم كفر، أجمع أئمة أهل السنة على أنّ من قال بأن القرءان الكريم مخلوق فهو كافر، بل من زعم أن حرفاً من القرآن الكريم مخلوق فهو كافر([4]) ومع ذلك نهاهم عن خلع الإمام، وقال لهم: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريحُ برٌ، ويُستراحُ من فاجر([5]) .
________________________________________
([1]) انظر: تيسير الكريم المنان في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السِّعْدِي( 1: 83 ) .
([2]) أخرجه مسلم( 3: 1481 ح: 1855 ) .
([3]) أخرجه مسلم( 3: 1478 ح: 1851 ) .
([4]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية( 3: 172 ) واعتقاد أهل السنة للالكائي( 2: 228 ) والسنة للخلال( 3: 543 ) والسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل( 1: 102 ) . .
([5]) انظر: السنة للخلال( 1: 34 ) .
كما أنّ طاعة ولاة الأمر لا تقتصر على السمع والطاعة فحسب، ولا تقتصر على الإمام العادل، بل السمع والطاعة واجبة حتى للإمام الجائر، ويصاحبها أداء الواجب، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم” ستكون أثرةٌ وأمورٌ تنكرونها، قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟ قال صلى الله عليه وسلّم” تؤدّون الحقّ الّذي عليكم، تسألون الله الّذي لكم([1]) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفيه الحثّ على السمع والطاعة وإن كان المتولّي ظالماً عسوفاً، فيعطى حقّه من الطّاعة، ولا يُخرَج عليه، ولا يُخلع، بل يُتضرّع على الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شرّه، وإصلاحه([2]) .
قال الطيبي: لا تقاتلوهم باستيفاء حقّكم، ولا تكافئوا استئثارهم باستئثاركم، بل وفّروا إليهم حقّهم من السمع والطّاعة، وحقوق الدِّين، وسلوا الله من فضله أن يوصل إليكم حقكم من الغنيمة والفيء ونحوهما، وكِلُوا إلى الله تعالى أمركم، والله لا يضيع أجر المحسنين([3]) .
كما أنّ أنّه ليس من منهج أهل السنة والجماعة التّشهير بعيوب الولاة على المنابر، لأنّ ذلك يُفضِي لعدم السّمع والطّاعة، وهذه تؤدّي إلى الفوضى والفتنة، وقد كانت طريقة السلف النصيحة لولاة الأمر النصح سراً فيما بينهم، وعن طريق أهل الحل والعقد،، ويكفي إنكار المنكر والمعاصي الحاصلة، والتحذير منها من دون أن يُذكر فاعل تلك المعاصي، فإنّ من مقتضيات مبايعة ولي الأمر النصح لهم سراً، قال الله تعالى” أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ([4])” وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم” الدّين النّصيحة” قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم([5]) .
__________________________________________
([1]) أخرجه البخاري( 3: 1318 ح: 3408 ) .
([2]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج – شرح النّووي – ( 12: 232 ) .
([3]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمبارك فوري( 6: 356 ) .
قال ابن عبد البرّ: وأمّا مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها، ويقبلها([1])، وليست النصيحة أن يأتي المرء لولي الأمر يقول له اتق الله فإنّ هناك كذا وكذا، أو عليك أن تدع هذا وذاك، بل النصيحة لولي الأمر في السمع والطاعة، وعدم الخروج عليه، وتأليب الآخرين ضدّه بنشر الأخطاء وتضخيمها، قال ابن دقيق العيد: وأمّا النصيحة لولاة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم برفقٍ، وترك الخروج عليهم بالسيف ونحوه، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم، والصلاة خلفهم، الجهاد معهم، وأن يدعو لهم بالصلاح([2]) .
وقال عياض بن غنم رضي الله عنه لهشام بن حكيم رضي الله عنه: ألم تسمع بقول رسل الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قَبِلْ فذاك، وإلاّ كان قد أدّى الّذي عليه([3]) .
وليس معنى هذا أنّ تأخذ الوالي أو الحاكم بيده لمكان بعيد عن الأعين لنصحه، ولكن المراد أن النّصيحة أن تكون في السرِّ وليس في العلن، لأنّ النصيحة في العلن ليست نصيحة بل هي فضيحة لا نقبلها نحن، فكيف نريد من الحكام تقبّلها منّا؟ .
قال رجلٌ لابن عباس رضي الله عنهما: آمرُ أميري بالمعرف، قال: إن خفت أن يقتلك فلا تؤنّب الإمام، فإن كنت لا بدّ فاعلاً ففيما بينك وبينه([4])، وقد قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه فتكلّمه؟ فقال: أترون أنّي لا أكلّمه إلاّ أُسمِعكم!! والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب ان أكون أوّل من فتحه([5])، قال النووي: أي المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ([6])، وقال القاضي عياض: مراد أسامة أنّه لا يفتح باب المجاهرة بالنّكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطّف به
___________________________________________
([1]) انظر: الاستذكار لابن عبد البرّ( 8: 579 ) .
([2]) انظر: شرح الأربعين لابن دقيق العيد( 1: 31 ) .
([3]) انظر: ظِلال الجنة في تخريج السنّة لابن أبي عاصم للألباني( 2: 273 ح: 1096 ) .
([4]) انظر: المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة( 7: 470 ) .
([5]) انظر: صحيح مسلم( 4: 2290 ح: 2989 ) .
([6]) انظر: سرح النووي على صحيح مسلم( 18: 118 ) .
وينصحه سراً فذلك أجدر بالقبول([1])، وقال سعيد بن جُهْمان: أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلّمت عليه، فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جُهمان، قال: فما فعل والدُك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة، قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّهم كلاب النّار، قال: قلت: الأزارقة وحدهم؟ أم الخوارج كلّها؟ قال: بلى الخوارج كلّها، قال: قلت: فإنّ السلطان يظلم الناس، ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزةً شديدة، ثم قال: ويحك يا بن جُهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلاّ فدعه فإنّك لست بأعلم منه([2]) .
وحينما جهر بعض المبتدعة بالنّصيحة للوالي علناً حدثت الفتنة، وانفتح بابٌ للشرّ عظيم على الأمّة الإسلامية، لا تزال الأمّةُ تعاني منها إلى اليوم، وقُتل بسبب هذه المجاهرة العلنيّة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وقتل بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ونشبت حربٌ ضروسٌ بين عليٍ ومعاوية رضوان الله عليهم، وقتل في تلك الفتنة جمٌ غفير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كل ذلك بأسباب النّصيحة العلنيّة، وذكر العيوب على الملأ، حتى أبغض الناس ولاة أمورهم، وحتى استباحوا دماءهم والعياذ بالله .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: ينبغي لمن ظهر له غلطَ الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنّه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، لا يُذلّ سلطان الله([3]) .
_______________________________________________
([1]) انظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني( 13: 52 ) .
([2]) أخرجه أحمد في مسنده( 4: 382 ح: 19434 ) والحاكم في المستدرك( 3: 660 ح: 6435 ) والطيالسي في مسنده. ص: 110 .
([3]) انظر: السيل الجرار المتدفّق على حداق الأزهار للشوكاني( 4: 556 ) والروضة الندية لأبي الطيب صديق حسان خان( 2: 355 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان، ولا أمر بقتال الباغين ابتداء، بل قال تعالى” وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ([1])” فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء، فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر ابتداء([2])، ولم يرخّص الشارع الحكيم بقتالهم إذا لم يسمعوا للنصيحة، بل أمر بالصبر عليهم، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنّ عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم، فقال صلى الله عليه وسلم” اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حُمِّلوا، عليكم ما حُمِّلتم([3])” .
كما لا يجوز سبّ الحكام وشتمهم التشهير بهم، فإنّ ذلك خلافٌ للنصوص الشرعية النّاهية عن ذلك، وخلافٌ لما كان عليه منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، قال أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا تسبّوا أمراءكم ولا تغشّوهم ولا تعصوهم، واتّقوا الله واصبروا فإنّ الأمر إلى قريب([4])” وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم” من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا، أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا، أهانه الله يوم القيامة([5]) ” .
________________________________________
([2]) انظر: منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام( 3: 391 ) .
([3]) مسلم( 3: 1474 ح: 1846 ) .
([4]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان( 6: 69 ح: 7523 ) .
([5]) أخرجه أحمد في مسنده( 5: 42 ح: 20450 ) والبيهقي في الكبرى( 8: 163 ح: 16436 ) قال الألباني: ضعيف كما في الجامع الصغير وزياداته( 1: 710 ح: 7095 ) .
والّذين يستبيحون الخروج على ولاة الأمر بسبب المعاصي ليسوا من أهل السنّة والجماعة ولا كرامة لهم، لكن الخوارج هم من يرى الخروج على ولاة الأمر بسبب المعاصي، والخوارج ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم من الفرق المارقة الضالة المضلّة التي أمر صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم، فقال صلى الله عليه وسلم فيهم” الخوارج كلاب النّار([1])” وقال صلى الله عليه وسلّم” يخرج فيكم قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرميّة، ينظر في النصل فلا يرى شيئاً، وينظر في القِدْحِ فلا يرى شيئاً، وينظر في الرّيش فلا يرى شيئاً([2]) .
والمعنى: أنّهم لا تحصل لهم أية فائدة من قراءتهم، مثل السهم الّذي ينفذ من الصيد دون أن يتعلق به أي أثر منه([3])، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلّم بعد هذا النصِّ” لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود([4]) .
هذا دين الله، وهذا شرعه، وهذا هو الحقُّ، الدال عليه الكتاب الكريمُ، وصحيح السنة الشريفة، وأقوال أئمة الهدى من أهل السنة والجماعة، فمن ابتغى غير ذلك فقد شاقّ الرسول والّذين آمنوا، وهؤلاء قال الله تعالى فيهم” وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً([5])” .
وحكام بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، من المؤسّس: عبد العزيز آل سعود رحمه الله تعالى، إلى خادم الحرمين الشريفين: سلمان بن عبد العزيز متّع الله بعمره وحفظه من كلِّ شرٍ، ونفع به الإسلام والمسلمين، كلّهم بحمد الله من أهل الخير والصلاح، ومن أهل الدين والفلاح، ولا نزكي على الله أحداً، ولا يعني هذا العصمة لهم، فالعصمة ليست لغير
_____________________________________
([1]) أخرجه ابن ماجة في السنن( 1: 61: 73 ) وقال الألباني: صحيح، وأحمد في المسند( 4: 55 ح: 19153 ) والحاكم في المستدرك( 3: 660 ح: 6435 ) وسكت عنه الذهبي .
([2]) البخاري( 4: 1928 ح: 4771 ) ومسلم( 2: 741 ح: 1064 ) .
([3]) البخاري( 4: 1928 ح: 4771 ) .
([4]) صحيح مسلم( 2: 741 ح: 1064 ) .
([5]) سورة النّساء. آية: 115 .
رسل الله عليهم الصلاة السلام، يحكمون بالكتاب والسنة، وينشرون العلم والحكمة، يؤمّنون الطريق، ويحكمون بالعدل، ويجازون بالفضل، المساجد عامرة، وأعمال الخير قائمة، ودور تحفيظ القرءان الكريم مدعومة ومنتشرة، والأمراء يتسابقون في تبني جوائز بأسمائهم لحفّاظ كتاب الله عزّ وجلّ، والجمعيات الخيريّة في كل قريةٍ وضاحية، فضلاً عن المدينة والمنطقة، والأموال على الخير وأهله تُنفق بلا عدٍ ولا حدٍ، ودعم الإسلام والمسلمين في الخارج لا ينكره إلاّ جاحدٌ أو حاقدٌ، وكتاب الله تعالى، وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم هي الحكم الوحيد، فبها يحكم القضاةُ في المحاكم الشرعية، وإليها يتحاكم المتقاضون، وبها ينطق القضاةُ بالدّليل، أو باجتهادٍ مأخوذ من النصوص الشرعية، لا بقوانين وضعية، ولا بأعراف قبليّة، أخذاً بقوله تعالى” فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً([1])” فماذا بعد الحقِّ إلاّ الضلال أيها الضُّلاّل؟!! .
إنّها بلاد الحرمين الشريفين أيها الأغبياء التّائهون، إنّها بلاد الحرمين الشريفين أيها العملاء المستأجرون، إنّها بلاد الحرمين الشريفين أيّها البُغاة المعتدون، مهوى أفئدة المؤمنين، وقبلتهم أحياءً وميّتين، فيها الكعبة المشرفة، أوّل بيت وضع للناس، بوّأ الله مكانه للخليل عليه السلام، ورفع قواعده وإسماعيلُ عليها الصلاة والسلام في سكِينَةٍ ووقار، ودعواتٍ إلى الله تعالى له ولساكنيه بالرّزق والأمنِ، فطهّره الله وجعله مثابة للناس وأمناً” وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ([2])” يأتيه الناس من كلِّ فجٍ عميقٍ، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ، لا فرق بين غنيٍ وفقير، ولا كبيرٍ وصغيرٍ” لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ([3])“ تحدُوْهُم أرواحهم قبل رِحالهم، تشتاق
_____________________________________
([2]) سورة البقرة. آية: 125 – 126 .
لنسماته العليلة، وترنوا لدرجاتهِ العليّة، لتضع على أبوابه همومها، وتلتقط على أعتابهِ أنفاسَها، وتغسل في حِمَاهُ أرجاسها، فيعودوا كيوم ولدتهم أمّهاتهم، والناس من حوله مفزّعةً مرعوبة، من أصبح منهم لا ينتظر المساء، ومن أمسى منهم لا ينتظر الصباحُ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ([1])” فكانت مكّةُ المكرّمة، الحسنات فيها تتضاعف، والإثم فيها يؤاخذ بالنوايا، فيها” الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ([2])” دوحة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، تأوي إليها الخلائق المفزّعة، من زمزم يرتوون، وخلف المقام يصلّون، وبين الصفا والمروة يسعون، وفي الملتزم على ما فرّطوا في جنب الله يبكون، إنّها بلاد الحرمين الشريفين أيها المستأجَرُون .
فيها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومهاجره، يثرب الأمس، والمنوّرة اليوم، الصلاة فيه خير من ألفٍ صلاةٍ مما سواه إلاّ المسجد الحرام([3])، وفيها جسده الشريف الطاهر، وفيها جزءٌ من الجنّة بين قبره ومحرابه صلوات ربي وسلامه عليه، وفيها خليلاه وصديقاه وحبيباه” الصديق والفاروق” رضي الله عنهما وأرضاهما، وفيها البقيع الّذي ضمَّ بعضاً ممن دفن فيه من أصحابه صلى الله عليه وسلم، وفيها جبل أحدٍ الّذي قال فيه صلى الله عليه وسلّم” هذا جبلٌ يحبنا ونحبّه([4])” إنّها بلاد الحرمين أيها الأجراء التّافهون .
___________________________________
([1]) سورة العنكبوت. آية: 67 .
([3]) أخرجه البخاري( 1: 398 ح: 1133 ) ومسلم( 2: 1012 ح: 1394 ) .
([4]) البخاري( 2: 539 ح: 1411 ) ومسلم( 2: 993 ح: 1365 ) .
>
وتبقى أرض المملكة العربية السعودية موطن الرجال ، حماة الحرمين والعقيدة الإسلامية..
دُمت مخلصاً لدينك ووطنك ..
كلام طيب وجميل ولكن كيف تقنع الداعشي المقفل مخه ان يقراء هذا الكلام والذي يرفض قرائته اصلا عدا عن تناقشه فهم لا يريدون تنظير هم لديه فكره وملبس عليهم هداهم الله…نريد كلام مبسط مقنع