العفو والتسامح

 

Feather_Fountain_Pen_Ink_Fountain_Pen_Plating.jpg_200x200

إنَّ الإسلامَ دينُ العفوِ والتسامحِ، وقدْ دعَا إلَى التحلِّي بِهذهِ الأخلاقِ الفاضلةِ، وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعظمَ مثالٍ لذلكَ، فكانَ صلى الله عليه وسلم متسامِحًا معَ الناسِ، يعفُو عنهُمْ ويصفحُ، وقدْ سئلَتِ السيدةُ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً وَلاَ صَخَّاباً فِى الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وقدْ جعلَ اللهُ تعالَى خُلُقَ العفوِ مِنْ صفاتِ المؤمنينَ المتقينَ قالَ تعالَى :(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ). ورويَ أنَّ جَارِيَةً لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضيَ اللهُ عنهُمَا كانَتْ تَسْكَبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ ليتوضَّأَ لِلصَّلاَةِ فَسَقَطَ الإِبْرِيقُ مِنْ يَدِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ، فَرَفَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رضيَ اللهُ عنهُمَا رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ :{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فَقَالَ لَهَا: قَدْ كَظَمْتُ غَيْظِي. قَالَتْ :{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فَقَالَ لَهَا: قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْكِ. قَالَتْ :{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ. وللعفوِ فضلٌ عظيمٌ فِي تحقيقِ المصالحةِ بينَ الناسِ وإشاعةِ المحبةِ بينهُمْ،وبالعفوِ ينالُ المسلمُ مرضاةَ اللهِ وعفوَهُ يومَ القيامةِ، يقولُ جلَّ جلالُهُ:( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وبالعفوِ يكونُ العبدُ أقربَ للتقوَى، قالَ تعالَى 🙁 وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) لقَدْ كانَ لنَا فِي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأسوةُ الحسنةُ فِي التسامحِ والعفوِ، فمِنْ مواقفِهِ صلى الله عليه وسلم التِي تفيضُ حلمًا وسماحةً حينمَا فتحَ مكةَ إذْ قالَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ آذَوْهُ وأخرجُوهُ مِنْ بلدِهِ :« يا مَعْشرَ قريشٍ ما تَظُنُّونَ أنِّي فاعِلٌ بكُمْ ؟» قالوا: خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، قالَ:« فإنِّي أقُول لكُمْ كمَا قالَ يوسفُ لإخوَتِه {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ } اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء». وقدْ تعلَّمَ الصحابةُ الكرامُ رضيَ اللهُ عنهُمْ هذَا الخلقَ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتأسَّوْا بِهِ وطبقُوهُ فِي حياتِهِم العمليةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضىَ اللهُ عنهُمَا- قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ… فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ بنُ قَيْسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجِاهِلِينَ) وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. وهذَا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ: أحبُّ الأمورِ إلَى اللهِ العفوُ فِي القدرةِ … ومَا رفقَ أحدٌ بأحدٍ فِي الدنيَا إلاَّ رفقَ اللهُ بهِ يومَ القيامةِ وإذَا كانَ الإنسانُ مُطَالَبًا بالعفوِ عَنِ الناسِ فأولَى الناسِ بذلكَ زوجتُهُ وأولادُهُ وخادمُهُ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ :« كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً ». فعلينَا أنْ نتمسَّكَ بِهذهِ الأخلاقِ النبويةِ، فنعفُوَ عمَّنْ ظلمَنَا ونتسامَحَ فيمَا بينَنَا ونصفَحَ عمَّنْ أساءَ إلينَا ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ وطلبًا للثوابِ منهُ سبحانَهُ، وإشاعةً للمحبةِ فِي المجتمعِ. اللهمَّ إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ فِي الدنيَا والآخرةِ. اللهمَّ وَفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ .

 

كتبه_ مفرح عيسى عسيري.

>

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com