يقول الله عزوجل ( ولا تمشِ في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) . أدب رباني يجنب المسلم الفخر والاختيال وينأى به عن التمايل والكبرياء. فالعاقل الرشيد لا يمش في الأرض شامخاً بأنفه مصعراً لخده متعالياً على غيره. وقد حرم الإسلام الكبر والاستعلاء لأن الكبر خلق سيئ يهوي بصاحبه إلى رذائلَ ذميمة وأمراض خطيرة. تمزق وحدة الأمة وتنشر فيها المفاسد من بطرٍ للحق وغمطٍ الناس والازدراء بهم. فهذا قارون خرج على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر ومواكب وملابس وخدم مستعلياً متجبراً فكان عقابه الخسف ( فخسفنا به وبداره الأرض). ومن ثم نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المثل الأعلى في التواضع فكان عليه الصلاة والسلام طيّب الخلق كريم الطبع طلق الوجه ليّن الجانب. وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويأكل مع الخادم ويجالس المساكين ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما ويمر على الصبيان فيسلم عليهم. إلى ذلك نجد أن هناك صوراً رائعة تتجلى في سلف هذه الأمة الخيرة فهذا عمر بن الخطاب خليفة المسلمين رضي الله عنه يحمل الدقيق للمرأة العجوز وينفخ النار لإنضاج الطعام لأطفالها. وهذا سلمان الفرسي رضي الله عن قد فخر عنده بعض القرشيين بأنسابهم فقال لكنني من نطفة مذره وأعود الى جيفة قذرة ثم آتي الميزان فإن ثقل فإني عزيز كريم وإن خف فإني ذليل لئيم. وهذا الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز قد احتاج ذات ليلة إلى اصلاح السراج وعنده جلساؤه فقام إليه فأصلحه فقال من عنده كنا نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه قمت وأنا عمر وعدت وأنا عمر ما نقص مني شيء. أولئك عباد الرحمن الذين أثنى عليهم وامتدحهم عزوجل في قوله ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا). يقول الغزالي: اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة، فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبراً وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسساً ومذلة والوسط يسمى تواضعاً. وقد أحسن من قال :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً ………. فكم تحتها قوم هم منك أرفعُ
وإن كنت في عزٍ وحرزٍ ومنعةٍ ………. فكم مات من قومٍ هم منك أمنعُ
بقلم / صالح بن محمد آل مرعي
>