طرحت – كعادتي – على بعض زملاء العمل وهم بأعمار مختلفة سؤالًا عن نهر النيل حيث قلت لهم : في أي اتجاه تظنون أن نهر النيل يجري ؟ أمن الجنوب إلى الشمال ؟ أم من الشمال إلى الجنوب ؟ وهو سؤال بنيته على تصور سابق كان لديَّ عن هذا النهر الخالد حيث كنت أظن ، وبناء على ما كنا نراه في خريطة جمهورية مصر العربية ونحن صغار وعلى اعتبار أن كل شيء يسقط من أعلى إلى أسفل ! فكنت أظن أن النهر يصب من أعلى الخريطة أي من البحر إلى أسفل باتجاه الجنوب ، وهو ما اكتشفت خطأه بعد التأمل والقراءة حيث عرفت أن النهر يندفع شمالًا ؛ ليرمي مياهه العذبة في أحضان مياه البحر المتوسط ! وأثناء جلوسي إلى زملائي وسؤالهم عن ذلك ، جاءت إجاباتهم مطابقة لإجابتي التي كنت أظنها سابقًا ! فأدركت أن الإنسان بطبعه يربط بعض المعلومات لديه ببعض ، فطبيعي أن يربط الإنسان تصوره عن مجرى النهر ومصبه بما عرفه عن الجاذبية وأن الأشياء تسقط من أعلى إلى أسفل ! وأن السير دائمًا عكس طبيعة الأمور يعد من الأمور النادرة ، بل وقد يعد من المخاطرة أحيانًا كتلك الأسماك التي تسبح عكس التيار بحثًا عن النجاة حتى وإن كان الثمن حياتها !
سبب آخر هو أنني وزملائي المسؤولين قد درسنا مادة الجغرافيا قديمًا بدءًا بدول آسيا ثم إفريقيا ، وفي آسيا درسنا العراق وفيه نهر دجلة النابع من جبال طوروس في تركيا شمالًا ، والصاب في شط العرب في الخليج العربي جنوبًا أي أنه وعلى الخريطة يأتي من أعلى إلى أسفل .
وبتصوراتنا جميعًا عتبت معها كثيرًا على تلك المعلومات الكثيرة التي تلقيناها في حياتنا ، لكنها أخفت بين جنباتها كثيرًا من الدقائق التي كانت كفيلة بتغيير كثير من المفاهيم الحياتية !
قد تبدو هذه المعلومة بسيطة ، ولكنها ومع بساطتها تثبت أهمية العلم والمعرفة ، فالعلم نور ولو كان كومضة ثقاب في فضاء منير !
أتساءل اليوم : عن مادة الجغرافيا التي لم تعد في نظامنا التعليمي ؟
الجغرافيا علم دراسة الأرض وهو العلم الذي عرفه العرب منذ القدم فكانوا يستعملون صورة الأرض ، أو خريطة العالم ، أو المسالك والممالك .
وحين كنا صغارًا كنا نتبارى في حفظ عواصم البلدان ، ومواقعها ، وحدودها . وأما أطفال اليوم فقد صاروا معزولين في عوالمهم الافتراضية المحدودة التي يعيشونها من خلال وسائل التواصل !
فصار للطفل عالمه الخاص دون علمه بما يجري في عالمه الخارجي ، وفهم ذلك العالم .
يقول الدكتور مولاي المصطفى البرجاوي في مقالة له بعنوان ( القيمة التربوية لمادة الجغرافيا المدرسية ) : ” يغدو الجهل بالمعرفة الجغرافية عقبة أمام فهم عالمنا ، وعندما يتقن التلاميذ دراسة الجغرافية يدركون الارتباطات والعلاقات بينهم وبين الشعوب ، والأمكنة ، والثقافات ” .
ويقول ( وولدردج ) : ” إن الجغرافيا الحقيقية تُفهم خارج قاعة الدرس ” ، وهذا يعني أن الجغرافيا تكمن فائدتها في فهم العالم من حولك ، بل وتمكن دارسها من التفكير في المشكلات الكبرى التي يعيشها عالم اليوم كالعولمة وغيرها مما ذكره الدكتور مولاي المصطفى .
فهل تعود الجغرافيا إلى مناهجنا ويعود لطلابنا ذلك التنافس الجميل في الرسم ، والتلوين ، ومعرفة البلدان ، والبحار ، والعواصم ؛ فيكبر إدراكهم ، وتزداد معارفهم مع هذا العلم المهم النافع ، وهو الذي يقول عنه عالم الجغرافيا جمال حمدان : ” لا ثقافة بلا جغرافيا ” .
ماجد محمد الوبيران
>
لا فُض فوك ولا جف قلمك استاذ ماجد . لقد أصبت كبد الحقيقة، نعم لا ثقافة دون الإلمام بجغرافية العالم ..
اسمح لي أولاً أن أقول أني كنت أعلم أن نهر النيل يجري من الجنوب إلى الشمال كما تعلمته في الزمن الجميل.
وأكثر شئ ما زال عالقاً في ذهني إلى حدٍ ما هو صورة خارطة العالِم للإدريسي وكيف استطاع رسمها بهذه الدقة مع قلة الإمكانيات, وكذلك صورة خارطة العالم والتي ما زلت أربط اسم الدول بشكلها على الخارطة (التي أذكرها فقط). ولكن ما سبب اندثار هذا العلم ؟!!
أذكر أنني شاهدت في التلفاز عام 1994م أمريكا أثناء كأس العالم لكرة القدم أحد المذيعين يسأل بعض المواطنين عن دولة خليجية فقال له أحدهم هل هي بالقرب من البحرين وذلك لأن دراستهم كما سمعت مقتصرة على تاريخ وجغرافية أمريكا فقط.
مقال اكثر من رائع استاذ ماجد
الجغرافيا بوابة للثقافة واسعة … فهي تكسب الفرد معلومات عن البلدان وحدودها وسكانها ولغاتها ومنتوجاتها وغير ذلك من الكم الهائل من المعلومات … وذلك يؤدي إلى سعة الاطلاع وفهم الحياة بشكل أكثر وضوح … موضوع جميل تشكر عليه اخي ماجد
مبدع
الجغرافيا بأنواعها المختلفة ( الفلكية والأرضية و…) تنمي الثقافة والفكروفهم أكثر لما حولنا بل نحن مأمورون بالنظر والتفكرفي السماوات والأرض …وإشارة الكاتب إلى ضرورة الإهتمام بها وإعادتها الى المنهج الدراسي جميل ومطلوب !
رااااااائع جدا
علم الجغرافيا من العلوم المهمة والشيقة في نفس الوقت .
والحاجة له ضرورية ، طرح جميل وأسلوب رائع
وفقك الله أبا محمد ..
كلام رائع جدا
كنت والله استمتع برسم الخرائط وتلوين التضاريس المختلفة
صراحة ذكرتني بماض جميل انطمست ملامحه
وكدت أن أنساه
نعم لقد اصبت الهدف ابا محمد وكالعاده باسلوبك الجميل المبحر …. اخذتنا في رحله بحريه عبر دهاليز الماضي ثم صعدت بنا الى قمم الجبال مع المرور بهضاب ومرتفعات وانخفاضات الجغرافيا التي ارتبطت في الاذهان لحقبه من الزمن وبقاعة الدرس التي كان يشق الظلام فيها نور الداتا شو (جهاز العرض الضوئي) فنسافر من ذلك الفصل الى انحاء العالم في رحله افتراضيه نجوب خلالها جميع الدول والمدن ولا يقطع هذه الرحله الجميله سوى جرس انتهاء الحصه لنعود الى العالم الحقيقي ورغم ذلك كله فقد تغيب علينا بعض حقايق الطبيعه والجغرافيا لما ارتسم لنا في العقل الباطن كما عرج عليها استاذنا في مقاله بأن بعض الامور لا نرها بمنظورها الحقيقي بل لما رسمناه لها في مخيلتنا كل هذا ونحن ندرس هذه المادة الشيقه فما بالك عندما تهمش مادة بحجم الجغرافياء وحدودها وابعادها وسهولها وتضاريسها ستنتج جيل بلا هويه جغرافيه مسلوب الهويه من قبل التقنيات الجديده لتحديد المواقع …. نعم كما سلب منا الجوال خاصية حفظ ارقام الهواتف … فستسلب منا خاصيه تحديد المواقع وتصورها ونعيش في اللا اتجاهات.
شكرا لك ابا محمد على ماطرحته مزيدا من التوفيق لك حتى طلاب اليوم لو تساله عن الجهات الاربع ما عرف
وفقك الله أستاذ ماجد
علم الجغرافيا من العلوم المهمة والشيقة في نفس الوقت . إبداع في الطرح والتصور
لك شكري وتقديري
الكلام يعجز عن وصفك يا ابآ محمدآ??
و دائمآ مبدع في وصفك للموضوع
ارجوا لك التوفيق و النجاح ?
دائما مبدع مقال رائع الى الامام يا استاذ ماجد ويشرفني متابعه ما تكتب
مع حبي و تقديري
اسعد الله مساءك ابا محمد الجغرافيا من المناهج التي لم تجد الإهتمام الكافي والمطلوب ، فمن غير الجغرافيا يصبح الطالب بعيدا عن فهم جمال الطبيعة التي أودعها الله في الأرض ، فنشأ جيل للأسف لا يعرف الجهات الأصلية التي كانت من أوائل ماتعلمناه في مادة الجغرافيا ، فالمجال مفتوح ووسائل التقنية متوفرة مع الجميع لا بد من توظيفها بالشكل المطلوب ، وأتمنى أن تعاد صياغة المناهج بطريقة أفضل مما هي عليه وأن يعاد الإعراب في لغتي الجميلة وأن تعود مواضيع المطالعة إلى جوهرها الأصلي الذي يزيد من وعي القارئ والإبتعاد عما لا يفيد ولا يصب في مصلحة الطالب وأنت من خيرة من يتحدث عن المواضيع .
نسأل الله أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة في ظل قيادتنا الرشيدة تقبل مروري أبا محمد وفقك الله وسدد خطاك على طريق الحق .
اجمل مادة كنت ادرسها ايام الصغر الجغرافيا لأن لها اهميئة كبيرة من حيث الحدود والمناخ والتضاريس والموقع واكتساب كم كبير من المعلومات.
أحسنت في اختيار المقالة كعادتك مبدع أخي وصديقي الغالي الأستاذ ماجد.
معلومات طيبة وقيمة وكعادتك تثرينا بالجديد والمفيد.
أحد الأقارب متخصص في الجيولوجيا وخريج جامعة البترول سابقا -الملك فهد- 1396 …
ماأذهلني ثقافته الجغرافية ،حيث يمتلك خارطة ذهنية للعالم بقاراته ودوله وكل ماتحويه من دول وبحاروأنهار ومضايق ……
لم أغبط أحدا على شيء كغبطتي له على تلك الملكة . .
ولعل دمج المواد بعضها في بعض أحد عوامل الضعف لدى الطلاب ..
كم كانت الجغرافيا رائعة . وكم كنا نتشوق معلمها قادما يحمل خارطة العالم معه . نتأملها . نقلب أبصارنا فيها نتلمسها بأيدينا نتحسس هضابها . وسهولها . نحفظ أسماء البلدان عليها .نقف كثيرا نتأمل حدود بلادنا ونرشف جمال ألوانها فمن بني غامق إلى أصفر فاتح وأخضر قد زانها .
نعم ليتها تعود لنعرف وليعرف الجيل الجديد كم تغيرت المعالم والحدود . بل كم صار كثير من بلدان العالم الإسلامي غير إسلامية !!
شكرآ لك أيها المعلم الرائع المبدع…مقال فالصميم وليت هذا المقال يعرض على الجهات العليا ذات الإختصاص بالتعليم فالجغرافيا علم الأرض والجهات…ماأجمل ماكتبت أيها المعلم الرائع…وفقك الله وإلى مزيدآ من طروحاتك الجميلة
علم الجغرافيا علم مفيد في الملاحة والطيران وأيضا في رسم الحدود والحروب وخطوط الطول والعرض مفيدة لتحديد المواقع. فعلم الجغرافيا من العلوم التي لا يمكن تزيفها أو تزويرها كالتاريخ مثلا…. شكرا أبا محمد لفت الإنتباه إلى علم يظنه البعض من العلوم السهله وغير المفيده.
دايماً تطرح المفيد والجديد ، الجغرافيا من المواد المهمة التي يجب ان تعود من جديد.
احسنت في الطرح واجده في اختيار الموضوع
وفقك الله يا اخي ماجد