الكاتب علي القاسمي :
يأخذني الشهر لجملة من التناقضات الاجتماعية التي لا تناقش عن عمد، أو يخجل من العبور عليها لأن لها تبريرات شعبية طازجة وغطاء دينياً تلتحف به، وهو غطاء منتقى بغية الصمت، لا من أجل التدقيق والبحث والتساؤل المشروع عن سر هذه التناقضات، والازدواجية في ظل أن سيل الفتاوى المتناثر على امتداد الأعوام المتلاحقة يثبت أننا نسأل لمجرد السؤال، لا رغبة في التغيير والإصلاح والتعديل والبحث عن الحقيقة.
الأسئلة المتداولة عن بعض القضايا الفقهية والشرعية هذه الأيام تمهد لتساؤلات حادة حرجة عن كيفية صيامنا ولماذا نحن نصوم؟
وتقول لنا إن حدود ومساحات المعرفة لا تتسع إلا لإطار ضيق، وتؤكد أننا نكون أمام الآخرين في صورة مغايرة عما نحن عليه بالضبط، ولكن لأذهب معكم إلى هذه اللقطات العابرة السريعة، من أجل محاولة بريئة لحل بعض الألغاز المستعصية على الحل. صديقي الذي يدعو إلى استثمار الوقت والبعد عن الملهيات ومقاطعة القنوات، هو الصديق ذاته الذي يزودني بنتائج كأس العالم لحظة بلحظة ويتابعها بدقة على رغم توقيتها الحرج دينياً، والصديق الذي يقرأ القرآن صباحاً في مكتبه طلباً للأجر والرزق، هو الصديق ذاته الذي يتحدث بالتفصيل الممل عن قنوات المساء، وأيها كان جاذباً لعينيه ومغرياً للمتابعة ومحفزاً على جدول متابعة يومية لسيل من المنوعات المتلفزة، والصديق الذي يزودني بالنقوش الدينية ومآثر المسلمين في هذا الشهر وكيف أنهم تقاطعوا معه بالصبر والجهاد والصلاة والدعاء، هو الصديق الذي لا يحضر لمقر عمله إلا متأخراً بحجة أن رمضان ليس شهراً للعمل، بل شهراً مختلفاً للعبادة، إذ توقف عند أذنيه ذات شرح خاطف أن «نوم الصائم عبادة»، والصديق الذي يرتدي عباءة الداعية نهاراً لا يجد مانعاً في أن يتنازل عنها مع مدفع الإفطار، نزولاً عند ساعة لربك وساعة لقلبك، والصديق المحفز على صلاة الجماعة في مسجد الحي الذي يقطنه ويعاتب من يراه متأخراً عنها، لا يتردد في الذهاب لمسجد آخر في زاوية المدينة، لأن به إماماً يصعد به لأجواء روحانية ويلبسه ثوباً من التقى والخشوع، والصديق الذي يحذر من قناة فضائية لأن شيخه كرهها أخيراً هو الصديق الذي يمتدح قناة أخرى مشابهة في المضمون متجاوزة في المحتوى، لأن شيخه أصبح ضيفها أو مادحاً لها، وأخيراً فالصديق الذي ينام من شروق الشمس إلى قبيل المغرب، يسارع لأن يقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»، ومستعد في ساعات استيقاظه أن يقوم بتوزيع الفتاوى والأحاديث ومقترحات ختم القرآن، ويمارس التوعية الدينية بحماسة منقطعة النظير، ولذلك لا يستغرب أحدكم أن تستمر فتاوانا الرمضانية السنوية على شاكلة: ما حكم من يجامع امرأته في نهار رمضان؟ ما حكم شرب الماء وقت أذان الفجر؟ ما حكم تذوق الطعام للصائم؟
>