صحيفة عسير : فايع عسيري
بقلم :
أ.د: عبد العزيز بن عمر القنصل الغامدي
يعتقد الكثير من الناس ومنهم كاتب المقال أنّ وَهَنَ بيتِ العنكبوتِ يكمنُ في اهتراءِ شبكتِهِ المنسوجةِ، وضعفِ حبالِهِ المشدودة!! وهذا من الظنّ الّذي لا إثم فيه، لأنّه ظنٌ يصدّقه المشاهَد المحسوس، ويشهد له بيتُ العنكبوتِ الملموسِ، لكنّ العلم الحديث وبالذات علم” الأنتيمولوجيا” أو ما يُعرف بعلم الحشرات أثبت غير هذا، ولم ينفِ ذاك، فقد أثبت علم الحشرات أنّ وَهَنَ بيتِ العنكبوتِ يكمنُ في تفكُّكِ نسيجها الأسري أكثر من تفكّك نسيجها الشّبكيِّ، لأنّ كلاً من العناكبِ يعتدي على الآخر، فأنثى العنكبوتِ تقتل شريك حياتِها الذكر، والعناكبِ الصّغار يهاجمون والدتهم قاتِلةُ ابيهم ويمزّقونها شرّ ممزّقٍ ريثما يخرجون من البيوضِ!! ليس انتقاماً لأبيهم، لكنّه الإجرام الأسريُّ يجري في جينات العناكبِ جيلاً بعد جيل!! وصدق الله القائلُ في محكم التّنزيلِ” وَإِنّ “أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” .
هذا ما يتعلّق بعالم العناكب وبيوتاتها، فماذا عن عناكبنا نحن البشر؟!! .
لم أر في حياتي ولم أسمع، ولم أر ولم أسمع من رأى أو سمع أنّ تنظيماً بلغ في الإجرام، والتصحّرِ الفكري، والتصخّرِ القليبيِّ ما بلغه تنظيم” داعش العنكبوتي” فهو لم يكتف بسفك الدماء المعصومة، وتخريب الممتلكاتِ المعلومة، حتى تجاوزه ليشكل عناكب بشريّةً تسفك دماء الأقرباء بما فيهم الوالدَينِ، فما أن أعلن زعيم تنظيم العناكب البشريّة” أبو بكر البغدادي” بيانه المشهور” ولو كره الكافرون” في فبراير من عام: 2014م حتى أخذت هذه العناكب تنتشر في بلاد الحرمين الشريفين بالتّحديد!! تستهدف أمنها وأمانها لصالح القابعين خلف الحدود!! فتدرّج الاستهداف من السّيّءِ للأسوأ، خُطْوَةً خُطوَةً كعرضِ الحصيرِ عُوْداً عُوْداً، فبدأ باستهداف المستأمَنين بحجة دخول الكفار لأرض الحرمين الشريفين!! وكأنّهم أحرص الناسِ على دين الله وأَفْهَمَهُمْ له!! وبينما العلماء يوضحون رأي الشرع في حكم دخول أهل الكتاب لبلاد الحرمين الشريفين إذ بالأوامر تأتي من وراءِ الحدودِ باستهداف الجنودِ!! والدليل: أنّ من يحمي الكافر فهو كافر، والكافر حلال الدّمِ!! يَرَاعٌ في كُراعٍ!! فانصرف الرأي العامّ لتفنيد هذه المزاعم من بُلْعام، وفي فاجِعَةٍ لم يُحسب لها حسابٌ، وباقعةٍ فاقت أوابق أهل الكتاب، وصلت جرائمُ العناكب القرمطيين لبيوت الله تعالى تحصد الرّكّعِ الساجدين، ضاربين عرضَ الحائِطِ بقوله تعالى” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” مبتدعين شِعاراً نابعٌ من السُّعَار، ظاهرهٌ باطلٌ، وباطنهُ استهزاء بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام” أريد أن أتغدى مع النبي صلى الله عليه وسلم!! أو أتعشّى معه، وهي تزكيةٌ لنفوسِهم أنّهم في الفردوس الأعلى مع سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام!! وقول على الله بغير علم!! القولُ على الله بغير علمٍ عديلُ الشركِ .
وقبل أن يستفيق المجتمع من هول هذه الصدمة!! وفي دهشة الموقف حيثُ الوجوه ساهمة، والألسن واجمة، حتى لم تعد تجد ما تقول من هول المشاهَدِ والمنقولِ، حيث شلّ هذا العملُ الإجراميُّ تفكير المفكرين، وحيّر العلماء والمحلِّلين، قرامطةٌ معاصرون؟!! أم هم معتدون آثمون بالقرامطة يتشبّهون؟!! وبينما العلماء بل والمجتمع بقلّب كفيه عجباً من هذا الفكر الإجرامي وأين وصل!! إذْ بالعناكب تخرجُ مرّةً أخرى للمسرحِ لتباشِرَ أمراً مغايراً ما توقّعهُ أحدٌ، ولا وقع في غير هذا البلد، إنّها مرحلة العناكب التي تبتدئُ بالأقارب!! فالأقربون أولى بالحتوفِ!! وكل هذا باسم الإيمان، وذروة سنام الإسلام!! وصدق الله القائل في مثل هؤلاء المغيَّبِيْن” قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ” .
لست أعجب من الّذين وراءهم!! ولا عجبي من الّذي جنّدهم!! فلا أظنُّ به ما ليس به، ولا أعتقد فيه ما ليس فيه، لكنّ عجبي وحيرتي من هؤلاء الأغرار كيف استجابوا لهم وصدّقوهم بما قالوه لهم؟!! أيجدع الرّجلُ أنفه؟!! ويقطعُ كفّه؟!! أينهى اللهُ تعالى عن قولِ” أُفٍ” للوالدَين، فيُقتَلُون بكلتا اليدين؟!! أيُّ دينٍ هذا؟!! وأيُّ إيمانٍ كهذا” قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ” .
هل بلاد الحرمين يا زعيم العناكب رأس الأفعى ومكمن الدّاء كما قُلتَ وبئسما قُلتَ!! لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا ذا السويقتين، وتحسبُ طَرْحَكَ هذا هيناً وهو عند الله عظيم، هل هَالَكَ أمنَها واستقرارَها فأرت أن تكون مسرحاً للهَرْجِ، يُستباحُ فيها الدّمُ والمالُ والفرْجُ!! هل تودُّ أن يُتخطّف الناسُ فيها كما يُتَخطَّفُون من حولها؟!! هل نسيت يا زعيم العناكبِ أنّها بلدَ الحرمين وقبلةَ المسلمين، هل نسيت يا زعيم العناكبِ أنّها منبع الإسلام ومأرِزُه، هل نسيت يا زعيم العناكبِ أنّها الواحةَ الخضراء الوارفة الظِّلال التي بظلِّها يستظلُّ كلُّ خائفٍ وواجف، تهوي إليها القلوب المفزّعةُ الوجلةُ، هل نسيت يا زعيم العناكب أن بلاد الحرين الشريفين هي منطقة أمان في الزمان والمكان، هل نسيتَ يا زعيم العناكب أن رواق الأمان في هذه البلاد لا يقتصر على الإنسان فحسب، بل يمتدّ رُواقُهُ ليشمل الحيوان والنبات أيضاً، بل نسيتَ أو تناسيتَ يا زعيم العناكب أنّ منطقة الأمان في بلاد الحريمين الشريفين يمتدّ رُواقُهُ ليشمل الضمير البشري” وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” .
وأنتم يا من غُرِّر بكم!! ومن يُغارُ بكم!! بأيِّ وجهٍ تلقون الله وقد فعلتم ما فعلتم؟ من الّذي أقنعكم وكيف اقتنعتم؟!! أما مرّ عليكم وأنتم تَدَّعون الإيمان وذروة سنام الإسلام قول الله تعالى في الوالدين” وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً” ألم تقرؤوا يا من تَدَّعُون الإيمان وذروة سنامِ الإسلام قول الله تعالى في الوالدين أيضاً” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً” لِمَ لَمْ تقولوا لهم” أُفٍّ” بدلاً من تناولهما بالأكفِّ؟!! لِمَ لَمْ تَنْهَرُوْهُماَ يوم أن غلبت عليهم الشفقة الأبويّةُ ومنعوكم من الذهاب لأرضِ الفتن خوفاً عليكم، لِمَ لَمْ تَنْهَرُوْهُمْ بدلاً من تنحروهم؟!! من أقنعكم بهذا العقوق؟!! وكيف اقتنعتم به؟!! هل سمعتم بمثل هذا في ملّةٍ غير ملَّتِكم؟!! هل نحرَ ولدٌ أمّه أو أباه إلاّ أنتم؟!! هل غدر أحدٌ بأخيه وابن عمّه وخاله وأقرباه ألاّ أنتم؟!! هل قانون البحار من يَحْكُمُكُمْ؟!! أم من هم من وراء البحار من يُحْكِمُكُمْ؟!! هل لكم ضميرٌ فنقول: هل استراح ضميرُكم وقد رأيتم والديكم مضرجين بالدماءِ؟!! هل لكم ضمير فنقول: هل استراح ضميرُكُم وقد رأيتم أيديكم مخضبةً بدماء والديكم؟!! هل تمرّ بكم الآن صورٌ من الماضي وأنتم في أحضان والديكم يُطعِمونكم قبل أن يَطْعَمُوا؟ ويُكسونكم قبل أن يكتسوا؟ هل هناك وِسادة أنعم من حضنِ الأمِّ؟!! هل هناك مكان أكثر أماناً ينام فيه الطفل آمنُ من حجر أبيه؟!! ألا تعلم أنّ قلب الأبِ لا يغفوا إلاّ بعد أن تغفوا جميعُ القلوب، ألم تكن أجسامُهُم لكم فِراشاً، وأهدابُهم لكم لبساً، يسهرون لراحتكم، ويفدونكم بأرواحِهِم، أملهم في الله ثمّ فيكم أن تُعينوهم إذا عجزوا، وتحملوهم إذا سقطوا، وتُطعموهم إذا جاعوا، وتُداووهم إذا مرضوا، وتُعطُهم إذا عُدِمُوا، فيخيّبتم أملَهم فيكم، وأطعتم عدواً غادراً فيهم إذ يناديكم فــــــــــ” بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ” .
يا حَرَّ قلبي على من ماتَ من كَمَدٍ فكيف من ماتِ مغدوراً من الولدِ
ربِّ إنّي أسألك في هذه الساعة المباركة، في هذا الشهر الكريم أن تخلّص البلاد والعباد منهم ومن شرّهم، إمّا بهدايتهم وعودتهم، وإمّا بهلاكهم وَخَضْبِ شوكتهم، فلا للإسلام نصروا، ولا للأعداء كسروا .
>
مقالة تخاطب العقل والقلب..
تستحق أن تُقرأ كل يوم ..
شكراً لك ولقلمك وفكرك ..
على هذه العقلانية وهذا الإمتنان لوطنك والدفاع عنه ..
دُمت كما عهدناك مُخلصاً لدينك ووطنك ..