فهم وقناعة !

ماجد الوبيرانوصلتني رسالة واتساب من أحد الزملاء تحمل رابطين لفتويين لشيخين من مشايخنا الكرام في مسألة ما .
لم أجد تفسيرا لأن يرسل لي هذين الرابطين للفتويين !!
فتوى تجيز بشروط ، وأخرى تحرم .. مع علمي بسعة علمي الشيخين واجتهادهما في الفتوى ، لكن المتلقي سيحمل عبء تخبط الفتوى في عصرنا الحالي !!
وصارت وسائل التواصل الاجتماعي بحرًا لا ساحل له فيما يخص الفتاوى ، وصار الناس يتلقفون الفتوى من كل مكان ، وزاد من خطأ انتشارها ، وتفلتها المساهمة في نشرها بما يوافق النفس والهوى !!
بل وصار الكثيرون يتتبعون حياة المشايخ ، فما إن يظهر الشيخ في مكان ما ، أو في لقاء في قناة ، أو في احتفال يتعارض مع إحدى فتاواه إلا والصور تنتشر ، والمقاطع تتناقل ، والصور تشوه ، وكأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة حتى يُشهروا به ، ويقللوا من قدره أمام الناس عامة ، والناشئة خاصة ، حتى صار كثير من الشباب اليوم لا يعرفون لكبير قدرًا ، ولا يحفظون لعالم مكانة !! وكل هذا لصالح من ؟؟
كان الناس قبل عشرين عامًا يأخذون الفتوى من مصدرها ، وكانت البرامج التلفازية والإذاعية التي يردُّ علماء البلاد من خلالها على استفسارات الناس تحظى باهتمام كبير ، وتقدير واحترام .. أما اليوم فقد تغير الحال كثيرًا ، فلا تعجب من صغير يقول ” حرام ” ، ولا تتفاجأ حين تقرأ فتوى في مقال صحفي لكاتب غير متخصص في العلوم الشرعية !!
وقد وقع لي أمر أوقعني في حيرة .. ولكم أن تسمعوه .. ذات مرة خرجت عقيلتي بعد أن صلت في مصلى نساء قائلة : ما حكم صلاة المرأة بعباءة الكتف ؟ فما كان مني إلا أن أرسلت رسالة إلى أحد مشايخنا الكبار تحمل السؤال نفسه . وما هي إلا دقائق حتى جاء الرد بالجواز . فذكرت للشيخ الجليل تلك الفتوى التي تحرمها ؛ لشبهها بلباس الرجال . فأجاب ” بغير صحيح ” مؤكدًا جواز الصلاة بها !!
وما هما إلا يومان وإذا بعيني تقع على نص فتوى لعالم كبير في بلادنا تحرم لبسها !!!
مثل هذه الاختلافات في الفتوى تجعل الإنسان في حيرة ؛ لأنه يدرك مدى تمكن كل عالم تصدى للفتوى من علمه ، والأفضل في ظني في مثل هذه الحالات الابتعاد عن مواطن الشبهات ، والأخذ بالأسلم الذي لا خلاف فيه .
ولعلكم قد قرأتم تلك القصة الجميلة لذلك الأديب الكبير والتي وقعت له أثناء سفره حين استطاع بأسلوبه الجميل ، وأدبه الجم أن يقنع تلك الفتاة التي ركبت إلى جانبه ، ونزعت عباءتها وحجابها في الطائرة بأهمية الستر والعفاف دون أن يُذكرها بفتوى ، بل استطاع بتوفيق الله له أن يحيي الوعي بداخلها ، وأن يوقظ القناعة في نفسها فما كان منها إلا أن كتبت له فيما بعد توضح مدى ما وصلت إليه من اعتزاز بدينها ، وتمسكها بعفافها .
في جامع حينا ثار الخطيب على الخطاب الدعوي المكرور ، وطالب بتغيير الثقافة ، وتجديد الخطاب ، والسمو بالنظرة للآخر ، وإحياء كل معنى جميل في هذا الدين الجميل .
الإنسان اليوم بحاجة إلى فهم هذا الدين ، والوعي به ، وأن يكون دينه عن قناعة وفهم ، وليس مظهرًا ورسم !!
وعليه فيجب على كل واحد منا أن يكون صاحب منهج في الحياة ، وأن يوظف وسائل الاتصال في نشر كل ما هو مفيد ، دون الإشكال على نفسه والآخرين بالخوض في مسائل فقهية ، وفتاوى شرعية ليس مجالها الهاتف والرسالة !!
 ماجد محمد الوبيران 

>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com