حلمُ راحل

اثناء جلوسه في المقعد العشرين على متن الخطوط الجوية خلال رحلته السياحية وبينما هو يشاهد احد الأفلام المعروضة والسماعات في اذنيه دخل الركاب في حالة من الرعب ونوبة بكاء نظرا للاهتزازات القوية والمطبات الهوائية التي تعرضت لها الطائرة ، لم يتمالك نفسه هو الآخر وأغمض عيناه ليتمتم بالدعاء الباكي منتظرا مع الجميع اللحظات الأخيرة ، وإذا بذلك الطارق البعيد وهو يردد ريان ، ريان ، ريان ، استيقظ من نومه مفجوعا ملتفتا يمنة ويسره ، حامدا الله انه كان حلما ، إستلهم وعاد لاجابة المنادي ، والذي كان والده حينما أبلغه أن الإفطار جاهز ، توجه مباشرة ليجتمع بأسرته على تلك المائدة حيث فاجئه والده حينما قال ” نريدك ان تكون كابتن طيار ” نظر ريان بتعجب الى والدته التي كانت عيناها تظهر مباركتها لحديث والده ، أخذ يفكر بعمق في ذلك الأمر ، فيما ابدا موافقته بعد يقينه التام أن توقيت ذلك الكابوس متزامنا مع حلم والديه لهي مشيئة المولى .

حزم ذلك اليافع أمتعته متوجها الى الغرب الأقصى متحصنا بدعاء والديه ومكالماتهم التي كانت أنيسه الوحيد . وفي يوم الجمعة عقب شهرين من ابتعاثه إنقطع تواصل والديه ليصدم بعد يومين بخبر رحيل أمه وشقيقه الأصغر إثر حادث مروري مروع ، إنهار لحظيا ، وهم بالعودة إلى الديار ، إلا أن إصرار والده على بقائه نظرا لبعد المسافة هو الحائل الوحيد .

أكمل ريان دراسته وقد فقد جزءا من روحه والحسرة تموج بتفكيره وصبره .

بقي والد ريان وشقيقه رائد وشقيقته الصغرى في المشفى لتلقي العلاج اللازم نظرا لتعرضهم لإصابات متفرقه من ذلك الحادث ، لم يصمد والد ريان كثيرا سوى عشرة أيام فقط بعد رحيل زوجته وإبنه محمد ليلحق بهم متأثرا بشجنه وجسده ، فجع ريان بهذا المصاب الجلل وعاد إلى أرض الوطن ، حيث قرر التخلي عن طموحه والتفرغ لإحتضان أشقاءه .

مضت أيام معدودات وأستقر الحال على ذلك القرار ، وبينما هو في إحدى الاجتماعات العائلة ، همس أحدهم في أذنه قائلا : أولم يكن ذلك حلم والديك ؟!

لم يجب ريان ذلك السائل بكلمة واحده ، وأخذ يفكر في حديثه مليا ، وعقب ثلاثة أيام أعلن ذلك المكلوم العودة لإكمال بعثته وتحقيق الحلم الذي تبقى له ممن أختارهم القدير ، فيما بقي أشقاءه رائد ورسيل يحرصهم الرحمن وأيادي العطف والحنان .

مرت السنين ليعلن عقب خمس منها ريان أنه أصبح أحد مغردي السماء منتصرا لذاته ومحولا حزنه إلى إصرار .

وفي سباق على الإنجاز والإعجاز وبذات التوقيت يعلن رائد أيضا إتمام مسيرته التعليمية ويصبح أحد محدثي لغات العجم .

 

التميز رحلة البدء ، رحلة الحياه ، رحلة البحث والمعرفة .

رحلة الاختلاف في عالم متماثل ، رحلة التفرد في عالم متشابه .

رحلة نصنع بها الأمجاد ، وتكون بها الحضارات .

وإكراما لحياة التميز هذه ، ولنخبة المتميزين الذين بذلوا جهدهم وعلمهم وعملهم ووقتهم ، تأتي هذه الليلة نفاخر من خلالها ونجاهر بهؤلاء الأفذاذ اللذين رسما لنا نماذج مشرفه لتحويل الحزن إلى طاقة إنتصار.

 

عبدالله علي فائع آل يحيى>

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com