التذبذب بين العقل والعاطفة

كثيرا ما نمر في مراحل حياتنا المختلفة بما يسمى تذبذب ،يكون هذا التذبذب بين العقل والعاطفة ، أكون أو لا أكون ،
إحساس مرهق جدا ، أن تقف في المنتصف ولا تعلم أي الطريقين تسلك ، وكلها أمامك يشع منها النور .
ماهو التذبذب ؟
التذبذب بمعناه البسيط هو التردد وعدم الاستقرار على رأي واحد .
ربما نطلق عليه مصطلح “تخبط” قد يكون أقرب .
الحرب القائمة بين العقل والعاطفة عادة لا تكون إلا مع شخص قد تجاوز الكثير من الخبرات الحياتية في مراحل عمره المختلفة ، فأنت في العشرين تختلف عنك في الخمسين ، تكون أكثر حكمة وحنكة ، افكارك تختلف لأنك تجاوزت طور النمو ، واكتسبت الكثير من الخبرات ، وتجاوزت ترويض الذات ، ما مررت به سابقا ولَم تنجح فيه وآلمك تستطيع تجاوزه الآن بسهولة ، لماذا !؟
لأن منسوب العاطفة لديك قد قل وارتفع سقف العقل ، إذا أنت في مأمن .
الشخص في العشرين من عمره وربما أكثر من ذلك بقليل أو أقل تكون عاطفته متوهجة ، وهذه صفات هذا العمر ، قرارات غير مدروسة ، نتائج غير مرغوبة ، والكثير من الندم ، ولكن نضيف لرصيد العمر درسًا أو خبرة ، يسهل في هذا العمر الوقوع في الحب ، والتنقل بين القلوب ذهابا وإيابا ، يسهل البحث عن وظيفة وتجربتها وربما إن لم تناسب أفكاره ورغباته وميوله يتركها ليبحث عن غيرها ، ومن الأمثلة أيضا تكرار الزواج وكثرة حالات الطلاق .

لماذا اسميت ما يمر به المفكر أو المثقف أو العالم وغيرهم من كل فئات المجتمع في سن الأربعين وما فوق تذبذب بعد بلوغه كمال العقل !؟ ولماذا أطلقت عليها مصطلح حرب !؟
لأن اتخاذ قرار عاطفي يصعب جدا عليه ، سواء على الصعيد الشخصي أو صعيد الأسرة أو المجتمع المحيط ، النزول من علو قد وصلت إليه يصعب عليك جدا ، فتمر بحال من التذبذب بين رغبة العاطفة ونفور العقل ، فيصعب إعلان الحب لمن هزمته العاطفة ، يفضّل البقاء متمسكا بعلوه على النزول لعاطفته ، اتخاذ قرار الزواج باخرى ، أو تغيير الوظيفة ، أو مكان الإقامة ، كلها لا تناسب سقف العقل العالي .

من منظور آخر نجد أن المرأة بطبعها عاطفية جدا ، والأم تحديدا اكثر عاطفة ، اندفاعها في أوقات كثيرة يوقعها في مأزق ، لذلك مهما بلغ عقل المرأة في علوه إلا أن العاطفة تهزمه ، قرأت قصة مررت عليها في وقت سابق في احد المواقع تقول :

رنّ جرس الهاتف تمام الساعة الثامنة صباحاً، والسيدة “أحلام” كانت قد بدأت للتوّ بتجهيز طعام الإفطار لزوجها قبل ذهابه إلى عمله.. ردّت بسرعة :”من معي؟”، أجاب المتصل :”أنا مدير
ابنك فراس في المدرسة.. أرجو حضورك فوراً.. فهناك مشكلة”..

خفقَ قلبُ أحلام.. فابنها منذ أيامٍ فقط انخرط في صفوف الفصل الأول الابتدائي.. وهذه هي تجربته الأولى في الدراسة النظامية!.. طوال الطريق كانت تحدث نفسها “يا ترى ماذا حدث؟”.. وعندما وصلَت :رأته مخدوش الوجه، مزرقّ العين، وقميصه ممزّق”.. جرى نحوها يبكي، وبدأ يصرخ ويحكي لها بصوتٍ قطعه مراراً البكاء :”لم أفعل شيئاً، والأساتذة ضربوني..”، هنا تحَّدث المدير:

-ابنك يا سيدتي لوحظ عليه ومنذ أول أيام الدراسة أنه يكذب كثيراً، وهذه كذبته الأولى فلم يضربه أحد من الأساتذة.. أما ثانياً.. فإنه عنيف، ولقد اعتدى على أحد زملائه بالضرب حينما رفض الأخير إعطاءه مصروفه!!.. وهذه سرقة”.. هنا التفتت الأم إلى ابنها وكأنها لم تصدّق المدير وسألته :”أصحيحٌ ذلك يا حبيبي؟”.. قال :”لا”..

فلم يكن منها إلا أن صرخت في وجه الأستاذ بكلّ صراحة :”ابني لا يكذب.. وانتم المخطئون من كل بد”.. ثم ربتت على كتفه، وأخذته إلى البيت، وهناك… طبطبت على رأسه، معارضةً والده الذي رأى أن عقوبةً لا بد أن تنفذ بحقّ فراس كونه.. كَذَب، وسرق، واعتدى.. وقالت :”لا.. هذا حبيب أمه.. كيف أضربه، بكرة بيكبر وبيفهم لحاله”!!

كثيراتٌ هنّ الأمهات اللاتي لا يستطعن الموازنة بين العقل والعاطفة في جرعاتهنّ التربوية التي يعطينها لأبنائهن.. ومعظمهنّ –في كثيرٍ من الأحيان- يكنّ واثقات بضرورة العقاب، إلا أنهنّ يتغاضيْن عن ذلك استجابةً لنداء القلب “الحنون” الذي يليّن العصا، ويبدل كلمة “أنتَ مخطئ”.. بكلمة “حبيبي لا يخطئ أبداً”..

ملاحظة صغيرة

” أولئك الذين لا يجدون أنفسهم بين هذه السطور بتاتا هم الفئة الغالبة ، ونجدهم بوفرة في كل مكان حولنا ، كل مراحل العمر لديهم متساوية ، ومع هذا يعيشون بسلام “.

 

الكاتبة / صباح الأشرم>

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com