فقر الحال وسوء الطريق

علي العوضي

ذهبت إلى أحد الأصدقاء لزيارته فاخذني في رحلة عبر تلك الطرقات وكنت ارى بعض البيوت المهترئة على جنبات الطريق فسألته عن هذه المنازل هل بيوت مهجورة أو تراثية ..
فوجئت بقوله إنها منازل يسكنها اصحابها الذين لايجدون ملجأ لهم غيرها ؟!

بدأت الأسئلة تتزاحم في ذاكـرتي ومعها بدأ
تلحُّ عليه أسئلة الفضول وحقيقة تلك البيوت ومن يسكنها …!!!

وسألته كم تبعد هذه القرية او بالأحرى ما تبقى منها عن الطريق المعبّد ؟!

فضحك ساخـراً ، وهو يقول :
هل تعلم أن لديهم أطفال يذهبون للمدرسة يومياً بزمن قدره ساعة ونصف ؟

هنا توقفت عن المحادثة برهة من الوقت وأطبق الهدوء على حوارنا ، واستجمعت قواي فقلت له :
أذهب بنا إليهم للنظر في حالهم ..
وليتني لم أذهب !
وجدت رجلاً طاعناً في السن ، ويعول أسرة كبيـرة .. فسألته عن حالته وأجابني انه يعيش بستر من الله وأنا أرى في عينيه حديث طويل يمتد إلى أفق السماء مناجياً ربه أن يرحم حالته .. ثم ذهبنا للبيت الآخر ، والذي يبعد عن الأول مسيرة نصف ساعة من الزمن بطريق يقطع الأنفاس لأجد الأدهى والأمر ..
غرفة واحدة سقفها من خشب مهترئ وشبك اعتبره مطبخاً للبيت وعجوز عمياء قد أوصلت حبلاً الى مجرى وادي صغير فسألت صاحبي ماهذا ؟

فقال إنها ضريرة ، وهذا الحبل يوصلها إلى المجرى لقضاء حاجتها لعدم توفر دورة مياه لديهم ..!!

هذه المرأة عمياء وزوجها كان أعمى ، ورحل عن الدنيا ، ولها ولد وحيد لا يملك من حطام الدنيا غير سيارةً ” هايلوكس ” قديمة متهالكة هي مصدر دخلهم وهو يحمَّل عليها عيدان الحطب
ويبيعه بثمن بخس دراهم معدودة لا تكاد توفي ولو بالنذر اليسير من إحتياجات أمه الضريرة فضلاً عن إحتياجاته ..!!!!

رجعت إلى المركبة وقدماي ترتجفان من هول ما رأيت ولحق بي صاحبي وهو يبتسم بهدوء .. وقال :
ماذا كنت تضن غير ذلك ؟!

ألم تعلم إنهم على هذا الحال منذ سنين طويلة كم طلبنا لهم مد يد العون ولم نجد متبرع ؟
عدتُ إلى منزلي مساءً وكتبت مقالتي بعفوية فما رأيته وسمعته من صديقي ضرباً من جنون الخيال ولا يمكن تصديقه إلا بالوقوف طويلاً
على تلك القرى ..

نسيت أن أخبركم بأن ذاك الموقع لا يبعد عن الشارع العام سوى مسافة ساعة ونصف غرب مركز خميس البحـر ..!!!

 

السطـر الأخيـر :
تلك الديار المنسية مازالت تنتظر بشائر الخير في وطن الخير والنماء ومد يد العون لهم .>

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com