بندر بن عبدالله ال مفرح
المُتابع لشخصية الشيخ محمد بن ابراهيم بن محمد بن هادي بن الحسين النعمي ‘ رحمه الله ‘ يشعر بأنه أمام قامة دينية ‘ ووطنية ‘ وعلمية ‘ وأدبية ‘ وثقافية ‘ وإجتماعية ‘ من العيار الثقيل ‘ مطوقاً ذلك بالتواضع الإستثنائي ‘ وبجودة العطاء ‘ ورقي الاخلاق . . . مابين ولادة الشيخ محمد النعمي ووفاته 87 عاماً’ في عام 1357 للهجرة تلقى الشيخ ‘ تعليمه الُمبكر في المدرسة السعودية بأبها ‘ والتي تُعد أول مدرسة رسمية يتم إفتتاحها في العهد السعودي الزاهر ‘ وفي عام 1364 للهجرة أتم دراسة المرحلة الابتدائية بعد توقف 3 أعوام بانتظار فتح الصف السادس . . . الشيخ محمد النعمي ‘ كان من أبرز طلبة سماحة العلامة الشيخ ‘ عبدالله بن يوسف الوابل ‘ الذي أُعجب بذكائه ‘ وإقدامه ‘ ونبوغه ‘ وبجودة إلقائه ‘ فكان مقرباً من الشيخ ‘ حيث كلفه بمهام إدارية وتنظيمية في ديوان المحكمة ‘ حتى تقلد منصب رئيس كتاب المحكمة وسكرتيرًا للشيخ الوابل . . . . درس النعمي على يد الوابل ‘ العقيدة ‘ والفقه ‘ والنحو ‘ والفرائض ‘ والتفسير ‘ والتاريخ ‘ والحديث ‘ وغير ذلك من العلوم ‘ وفي شهرالقعدة من عام 1371 للهجرة عُين الشيخ محمد النعمي ‘ رئيساً لكتابة العدل بمدينة أبها ‘ ومكث في هذا المنصب سبعة وعشرون عاماً ‘ حتى طلب إحالته للتقاعد ‘ وقد ترك الشيخ محمد النعمي بصمتة الذهبية في التنظيم الإداري للمحكمة الشرعية بمنطقة عسير ‘ وأسس منظومة إدارية ‘ وقاعدة بيانات لكتابة العدل بأبها ‘ ساهمت في تذليل معوقات العمل المستقبلي لهذا الجهاز الحساس ‘ وقدكانت كتابة العدل بأبها تقوم على خدمة نطاق واسع من أرجاء المنطقة ‘ لمحدودية فروع كتابات العدل آنذاك . . . . الشيخ محمد ‘ كان يؤُم المصلين في شهر رمضان المبارك ‘ في حي القرى القديم ‘ بدلاً من الشيخ ‘ عبدالله العثرباني إمام المسجد الرسمي ‘ نظراً لتميز النعمي في التلاوة ‘ والحفظ ‘ وروعة الصوت ‘ الشيخ النعمي ‘ كان إذا دخل جامعاً ‘ اومسجداً طُلب منه أن يخطب أويصلي بالمسلمين لمكانته الدينية ‘ والإجتماعية ‘ والعلمية . . . . الأديب والمثقف ‘ أبا ابراهيم ‘ هو ُمؤسس مكتبة الفاروق الشهيرة بأبها ‘ والتي لازالت قائمة حتى تاريخة ‘ وتعد من أوائل المكتبات المنظمة في منطقة عسير ‘ وقد شارك النعمي ‘ في مُؤتمرات ‘ ومُحاضرات ‘ وندوات علمية ‘ ومُسامرات أدبية ‘ وثقافية ‘ في مواقع مختلفة داخل وخارج مدينة ابها ‘ وكان منزله الخاص بحي القرى التاريخي ‘ أحد أهم المواقع المستضيفة للحراك العلمي والأدبي ‘ وعند إنتقاله إلى حي الصفراء بأبها ‘ إستمر منزل الشيخ ‘ مُشرعاً للمشائخ ‘ وطلبة العلم ‘ وصفوة المجتمع من الأدباء ‘ والمثقفين ‘ والشعراء ‘ وضيوف المنطقة . . . . في بدايات نادي أبها الأدبي كان الافتتاح في صالة نادي الوديعة ‘ وكان الجميع في حيرة من عدم وجود مقر للنادي وسرعان ما سجل الشيخ محمد موقفاً رائعاً ‘ عندما تقدم بمبنى يملُكه وهو عبارة عن دور ثاني على الشارع العام بحي الصفراء المجاور لحي القابل ‘ ليكون مقراً لنادي أبها الأدبي بدون ُمقابل ‘ حتى تم إقرار أجار رمزي لايتفق وأهمية الموقع ‘ إلا أن ولع النعمي بالأدب والثقافة ‘ كان أكبر من الحصول على المال ‘ فكان يجتمع صفوة الأُدباء والمثقفين في المقرالجديد بنفسيات ُمتوقدة ‘ تُحلق في سماء ‘ الإبداع ‘ والموهبة ‘ فكان المردود رائعاً ‘ وكان هم الصفوة الإبتعاد عن القُشور ‘ ومناقشة الأهم من المواضيع الأدبية ‘ والثقافية ‘ محلياً ‘ وعربياً ‘ وإسلاميًا ‘ ومما عرفت بأن الأدباء يستعرضون يومياً جميع الصُحف المحلية ومُعظم المجلات ‘ عن طريق القراءة المباشرة من قبل أحدهم ‘ في جلسة الصباح وما تيسر من الكُتب ‘ والإصدارات ‘ بِحضور ُمعظم الأعضاء ورئيس النادي ‘ وفي جلسة المساء يُخصص وقتها ‘ لتحليل ماكُتب في وسائل الأعلام المقروئة ‘ على مُستوى جميع الأقسام ‘ السياسية ‘ والمحلية ‘ والأدبية ‘ والثقافية ‘ وحتى الرياضية ‘ وأي جديد من الإصدارات ‘ وكان من ضمن مُقتنيات النادي راديو ‘ مُخصص لسماع نشرات الاخبارالمحلية ‘ ويتم التركيز على إذاعة لندن ‘ وكانت هذه الصفوة ‘ تُباشر الجانب الوقائي الُمجتمعي ‘ في المساجد ‘ والجوامع ‘ والمجالس ‘ بحكم إطلاعهم على جديد الأخبار ‘ وقد كان هم الوطن ‘ وطاعة ولاة الامر ‘ وصوُن الُمجتمع من الإنزلاقات الفكرية ‘ والإمنية ‘ والإجتماعية ‘ على رأس أولويات هذه الصفوة ‘ ولعل المحتفى به في هذا المقال في مُقدمة من حمل هم المجتمع ‘ والشيخ هاشم النعمي ‘ ومحمد بن حميد ‘ وأحمد بن مطاعن ‘ وعلي عمر ‘ وغيرهم من رواد الأدب ‘ وكان الاميرخالد الفيصل أمير منطقة عسير الأسبق ‘ وسمو نائبة الأمير فيصل بن بندر ‘ يتابعان مسيرة النادي ‘ ويدعمان أنشطته ‘ ويقُدران رئيسه وأعضائه ‘ وقد حظي النعمي مُنهما بما يستحقه من التقدير والإحترام . . . . . الشيخ محمد النعمي تزوج خمساً من النِساء ‘ وله من الأبناء :
1_ المهندس ابراهيم قيادي سابق في وزارة النقل ‘ في مدينة الرياض ‘ وقد عمِل قبل ذلك مساعداً لمديرعام النقل بعسير عدة أعوام ‘ ثم مديراً عاماً لفرع النقل بمنطقة جازان وقد أُحيل على التقاعد نظاماً . . . .
2_ الدكتور أحمد ‘ إستشاري الأشعة التدخلية ‘ والقسطرة ‘ ومُؤسس وحدة الأشعة التدخلية بأرامكو ‘ ورئيس خدمات الأشعة بالمنطقة الجنوبية ‘ ومُستشفى عسير بأبها ‘ المديرالتنفيذي لمدينة الملك فيصل الطبية لخدمة المناطق الجنوبية ‘ وقد أُحيل للتقاعد ‘ بعد سلسلة من الإنجازات الإستثنائية قدمها بكل وطنية لوزارة الصحة ‘ وكان الدكتور أحمد ولازال يتمنى أن يتحقق حُلمه في إنجاز مشروع مدينة الملك فيصل الطبية بأبها ‘ والتي توقف مشروعها فجأة ‘ بعد أن أعد الدكتور أحمد ‘ العُده لدعم هذا الصرح العملاق بأمهر الكفاءات ‘ وأرقى التجهيزات ‘ ونأمل أن نرى حُلم الجميع وقد تحقق . . . .
3_ أنس ‘ يعمل بفرع وزارة المياة بمنطقة عسير . .
4_ عمر ‘ يعمل بفرع وزارة العمل والتنمية الإجتماعية بمنطقة عسير . .
5_ مالك ‘ يعمل في الشؤون الصحية بمنطقة عسير . . . . الشيخ الأديب ‘ صاحب الصوت الندي ‘ والخطيب المفوه ‘ وإلإمام المبدع ‘ والمثقف الراقي ‘ والشخصية الجاذبة ‘ القى كلمة الاهالي في حفل إستقبال الامير خالد الفيصل ‘ عند تعيينة أميرا لمنطقة عسير 1391 للهجرة وألقى كلمتي الأهالي ‘ عند أفتتاح الملك فهد لسدأبها وعند إفتتاح مقر’ ومنشأت ‘ الشركة السعودية الموحدة للكهرباء . . . . كان النعمي ‘ عضواً في مجالس ‘ الأوقاف ‘ وجمعية البر ‘ وجمعية تحفيظ القران الكريم ‘ ونادي أبها الأدبي ‘ والمكتبة العامة ‘ وتم ترشيحه لعضوية مجلس منطقة عسير 1414 في مُستهل عمل مجالس المناطق . . . تُوفي الشيخ محمد النعمي في مستشفى عسير المركزي ‘ وتمت الصلاة عليه في جامع الراجحي ‘ ودُفن بمقابر الُموصلية بأبها في 29 رمضان 1434 وحضر جنازته حشد من أهالي أبها
وماجاورها ‘ وسط حُزن شديد عم المدينة ومنطقة عسير قاطبة ‘ للمكانة الكبيرة التي كان يحظى بها الفقيد ‘ ومن خارج منطقة عسير ‘ أجرى صاحب السمو الملكي الامير’ فيصل بن خالد اميرمنطقة عسير السابق ‘ إتصالاً هاتفياً ‘ بأبناء الفقيد قدم من خلاله تعازية ‘ وقد اثنى سموه على الفقيد ومسيرته الوطنية والعلمية المشرفه ‘ ورثاه الشعراء والادباء ‘ وُكتبت فيه المقالات
. . . . من هنا أود إرسال عدة رسائل لكل من هو على قيد الحياة فأقول ‘ قرأنا ‘ وسمعنا ‘ عن قامات رحلت إلى رب كريم ‘ وتعايشنا مع بعضها ‘ ولازالت أسماء هذه القامات تُسيطر على أحاديث المجالس ‘ رغم تدني الإمكانات في الزمن الجميل الذي عاشوه مُقارنة مع وفرة الإمكانات حالياً ‘ وشتان ما بين مُثقف وأديب الأمس ‘ وبين أديب ومُثقف اليوم ‘ وهذا يدُل على إصرار القامات السابقه على تحقيق الأفضل ‘ والأرقى ‘ والأدوم ‘ من الإرث المؤصل والممهور بالوطنية ‘ والصدق ‘ والعزم على الابداع ‘ وتحقيق الجودة ‘ والبُعد عن التلميع ‘ والاضواء ‘ ولعلي أقول للجميع ‘ كان لباس الشيخ محمد النعمي بجلال قدره ووقاره ومكانته وغزارة عطائه ‘ وإلى قبل وفاته بوقت قصير ‘ لايتجاوزقيمة لباسه ‘ 100 او200 ريال والجميع يعرف ذلك ‘ وهذا حال من سبقوه من الاعلام ‘ من أمثال الوابل ‘ والحديثي وغيرهم ‘ بينما كانت السيارة الخاصه بالنعمي ‘ عبارة عن ‘ جيب مقفص ‘ يقوده بنفسه ‘ ولكنه إستقر في عقل وقلب كل من عرفه ‘ وتعامل معه ‘ أوصلى خلفه ‘ اوسمع خُطبه ‘ وكلماته . . . . اليوم بعض الأدباء والمثُقفين ‘ يركبون أفخم أنواع السيارات اليابانية ‘ والامريكية ‘ والالمانية ‘ ويلبسون أجود أنواع الساعات ‘ والنظارات ‘ والخواتم الثمينة ‘ والملابس ذات الاسعارالخيالية ‘ وقد تصل كُلفتها مع السيارة ‘ والسكن ‘ والدخل ‘ ملايين الريالات ‘ إلاأن عطاء أكثر هم لايتجاوز الحناجر ‘ ولايخرج من الغرف والقاعات’ بل إن أكثرالإصدارات لاتُباع ‘ والعطاء لايدوم إطلاقاً لأن الرياء ‘ والعُجب ‘ وحُب الظهور قد تغلغل في نسيج بعض الأُدباء والمثقفين ‘ وهذا مايجب مُعالجته وتداركه وتصحيحه . . . رحم الله الوالد الشيخ محمد النعمي ‘ وأسكنه فسيح جناته ‘ وجعل قبره روضة من رياض الجنة ‘ فقد رحل بجسمه ‘ وبقيت إبداعاته التي تُذكر وتُشكر ‘ إنه عطاء الكِبار :: قال تعالى (أولم يروا ‘ أنا نأتي الأرض ننقُصها من أطرافِها ‘ والله يحكم لامُعقب لِحكمه ‘ وهوسريعُ الِحساب ‘صدق الله العظيم ) وقال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا مُنكم ‘ والذين أوتوا العلم درجات ‘ والله بما تعملون خبير’ صدق الله العظيم )
28 __ محرم __ 1441>