تناولت مقاطع فيديو منتشرة في الأيام الفائتة محاولات ممزوجة بالمخاطرة لشباب سعودي يحاول جذب الانتباه وتحقيق الشعبية على صعيد الحضور العام، والمشاركة بما تيسر من اللحظات الطاعنة في الاستغراب، مع أن الجذب ليس مقترناً بأسماء أو وجوه صريحة، وخال ٍمن الفردية تماماً، بل كان فعلاً جماعياً منظماً مع سبق الإصرار والتخطي، شبابنا يفعلون الجنون لشغر ما أمكن من المساحات الفارغة في حياتهم، وتقديم السخرية وعجن الأفكار الخارجة عن المألوف، ربما لأن الطريق الذي يمضي بهم للأفكار الجاذبة والفاعلة لا يزال في طور الدراسة والتصميم ولأقل في خانة التمديد والتمهيد.
أُخرجت كل المقاطع بأبيات شعبية ثابتة ومصاحبة، وفي انتقاء الأبيات الشعرية الشعبية كغطاء جاذب للفعل والإخراج إشارة ضمنية بأن الهموم على تفاوت درجاتها تحتضن الشاب، ولذا فهو يعمد إلى التنفيس عن شيء منها بمعية المواصفات العامة كالكرم والشجاعة والهدوء والتفكير والجدية والتخطيط، فهو يراها تتحدث عنه كشاب صالح، ولذا كان النص الشعبي المصحوب بكمية هائلة من الاستهبال صالحاً للاستخدام والتداول والانتشار، وأن يكون لصيقاً بالأعمال المجنونة تلك التي تسرق كثيراً من الوقت، في سبيل أن يخرج المتابع والملاحق لهذا بما لا يزيد على ربع ثانية صامتة إلا من الصوت الخارجي المصاحب، هذه الثواني لا تقول بالكلمات سوى الأبيات الشعرية، لكنها تقودنا في ظل التنوع في الطرح لكثير من الأسئلة المشروعة، أسئلة لم يخطُ الشباب من أجلها قطعاً، لكنهم يظنون أنها كافية لتقول لنا أين هم بالضبط؟
لا بد وأن أحدكم تناول في هاتفه المحمول مثل هذه المقاطع التي حصدت شعبية هائلة، ومع الشعبية أدخلت العقلاء في ذهول عن السر وراء أن تنتشر الفكرة بهذه السرعة، مع تباين التناول والإعداد، وتدرج عبثية المشاهد، والأفعال التي تقترب من الانتحار أو الدخول في مخاطر لا حصر لها، المضحك يكمن في تصدير الفكرة العامة من هذه المقاطع للخارج وبما يتناسب مع الجو العام، ومن المبكي تناميها ومثيلاتها باعتبارها وجبات ضحك طازجة، فبين يدي ما أمكن من هذا الجنون السعودي والتعبير الصامت عن إمكانات منفلتة، ولو وضعت مسابقة لانتقاء الثواني الأكثر إدهاشاً في هذه الزاوية، ومن خلال مغامرات غير محسوبة لحصد السعودي المراكز الأولى، ولفتح مع هذا الحصد مساحات من الاستغراب والذهول، والحقائق التي تقف وراء أن يدمن الشباب المضي في هذه المحاولات، ويرونها خير من يمثلنا في شبابيك المشاهدة والمقاطع الأكثر غرابة وتوزيعاً.
هل الفراغ وحده من يكون عنواناً لهذا الجنون أم غياب المتنفس وانحصاره في الشروع في ممارسات يمكن وصف غالبها على أنها ممارسات غير طبيعية؟ هل يقف وراء هذا العبث انعدام للحرية ومرحلة كبت لم يمكن تجاوزها إلا من خلال «الهبال» الزائد عن الحد، هل هي دليل على أن خيط الإبداع لا بد وأن يعبر على مسطرة الجنون؟ هذه المقاطع بالفعل تستحق الدراسة من جهة أمنية وأخرى أكاديمية، فلا يمكن أن يتنوع طرحها ويرتفع سهمها ويروج لسوقها إلا وهناك خلل عام في الذوق ورغبة في تسطيح الوعي، وتنبيه حاد بأن هناك مبدعين يذهبون للمجهول والظلام بفعل الصد والإسكات وخنق المواهب والإمكانات، وقبل أن تعودوا لهستيريا الشباب وتفتشوا عنها أختم ببيت من القصيد المصاحب: «البارحة قلبي من الهم ما بات… هم يجي والهم الآخر يروحي».>