صحيفة عسير _ سعيد ال عايض:
ورث الطبيب الشعبي “محمد بن لزمة” بقرية الحقو بتهامة عسير مهنة تجبير الكسور وكي “الابهر” ومعالجة الانزلاقات الغضروفية طوال خمسين عاماً؛ وكان منزله لا يكاد يخلو يوماً من الباحثين عن العلاج ممن لم تجدِ معهم المستشفيات المتخصصة في علاج آلامهم أو تجبير كسورهم.. وظل يمارس ذلك العلاج رغم تقدُّم سنه الذي شارف على الـ80 عاماً، إلا أنه لم يكن يرد أحداً ممن يأتون إليه لطلب العلاج، وكان يردد عبارته دائماً “إن الشافي أولاً وأخيراً هو الله، وإنما أنا سبب للعلاج”.
“ابن لزمة” كان يتواصى مرضى الانزلاقات الغضروفية والربو والكسور في قرية الحقو في تهامة عسير به، واشتُهر بلقب “ابن لزمة”، وكان يكتظ المكان المحيط بعيادته المتواضعة يومياً بعدد من المواطنين، كل منهم ينتظر دوره لتجبير كسره، أو تدليك غضروف، أو كي عرق النساء والأبهر.
وبالأمس خيم الحزن على قرية الحقو؛ إذ فقدت زائريها بعد وصول نبأ رحيل طبيبها الشعبي، الذي كان يوماً سبباً في شفاء الكثير من الانزلاق الغضروفي في فقرات الظهر وفقرات الرقبة، وكذلك المرض المسمى بعرق النساء، وشلل الوجه “اللوف”، وكذلك الحساسية في الصدر “الربو”.. كم من ساعد جبر كسره، وساق عاد صاحبها للمشي بها بعد أن اعوجت ويئس الأطباء من تجبيرها..
عيادته لم تكن سوى غرفة قديمة في منزله المتواضع في قرية الحقو، في زواياها بعض الألواح الخشبية التي جمعت من صناديق الفاكهة ذات الطبقة الرقيقة، ومكوى حديدي، وموقد لتسخين المكوى، وبعض الأدوات، والقطن والزيوت التي يستخدمها في التجبير والتدليك.
لم يكن “ابن لزمة” يحدد مواعيد لاستقبال مراجعيه؛ فمنزله مفتوح طوال اليوم، حتى أنه يستقبل قاصديه بعد منتصف الليل بابتسامته التي تبعث الأمل لكثير ممن أتوا لطلب العلاج، وبقصصه التي يرويها وهو يهم بتجبير عظام مراجعيه أو كيهم دون استخدام أي مخدر لذلك العلاج سوى دعائه وقصصه التي يحاول أن يُنسي بها المرضى قليلاً قبل إجراء العملية.
طرق بدائية، لكن منحته القدرة الإلهية قدرة وسبباً في شفاء الكثير ممن قصدوا العلاج لديه.
وكان يعتمد في تشخيصاته على الطب الحديث؛ إذ يستخدم الأشعة XR العادية لتشخيص مرضاه المصابين بكسور مضاعفة قبل علاجهم، أو كسور في المفاصل، أو الكسور المستعصية التي عجز الطب الحديث عن تجبيرها.
عُرف عنه أنه من المعالجين الأكفاء والمتخصصين في الطب الشعبي على مستوى المنطقة الجنوبية.
واليوم يتوجه الآلاف من مختلف أنحاء السعودية إلى أحد المنازل بمحافظة محايل عسير لتقديم واجب العزاء في “ابن لزمة”؛ إذ انتقل إلى جوار ربه اليوم الاثنين في مستشفى عسير، بعد أن كان سبباً في علاج الكثير من المصابين والمرضى، وترك في أذهانهم ذكرى الطبيب المعالج الزاهد بابتسامته ولحيته الكثة بالشيب وأدواته الطبية وقصصه التي يتذكرها كل من وصل لعيادته.
يُذكر أن بعض المستشفيات كانت تستعين بالمعالج “ابن لزمة” – رحمه الله – في العديد من الحالات، مثل كسور العظام، وكان يساند الأطباء في عمليات كسور معقدة من جراء الحوادث أو إصابات الملاعب، بعد أن منحته وزارة الصحة ترخيصاً لممارسة عمله، وكان يتوافد عليه العديد من أهالي منطقة عسير ومن خارجها>