بقلم / فايع آل مشيرة عسيري
يهاجر بي الحنين المستطيل عبر طريق تيّة الذي عبره أجدادي بأصوات القوافل الشاردة بتلك الأحلام التهامية والأرواح المتشبثة بالشعر والنثر والموروث والأساطير الموغلة في الشاعرية والقصصية والأساطير والحكايات التي قُصّت والتي لم تقصّ وعبر قرى محايل سرى بي الشوق قادماً من أبها نحو تلك المدينة التي رأيت فيها الحُلُم واقعاً .. تنمية شمولية في كل مكان لم تكن تحتاج محايل عسير إلا من يجيد السبر في أغوارها إنساناً ومكاناً ورحلة البحث عن هذا الإنسان التهامي ” المحايلي ” الرائع بكل تضاريسه ولهجاته وتنوع ثقافاته ورحلاته وأسفاره واختلاطه بالمجتمعات والأقطار الأخرى ورحلة تحديه وكفاحه ونضاله حتى تشكّلت تلك الشخصية التي تتسم بالهدوء والتسامح والتعايش والحب .. تلك الشخصية الثائرة في وجه الحياة كي تعمل وتجتهد وتزرع وتحصد ثمن التعب والألم والصبر إنجازات عظيمة تُرضي نهمها الكبير الذي يتجدد كل يوم ؛ كي تسير وفق هدف فكري تنويري وتوجّه وطني كبير انتماءً وحباً لهذا الوطن العظيم ولقادته العظماء هذا الفكر الذي ظل يتوق لهذا المنجز الثقافي العظيم الذي بات واقعاً أمامنا منجز ” اللجنة الثقافية ” الحُلُم وخلف هذا المنجز الحُلُم يقف محافظها الرائع علي بن إبراهيم الفلقي هذا المحافظ الذي بات عرّاباً لمحايل وسابراً لجمالها ورقماً صعباً في مشهدها الثقافي .. نظرة تجاوزت كل حدود المستحيل وذللت كل العقبات وبدعم كبير من أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير الطموح تركي بن طلال بن عبد العزيز .. ومن هنا كان لنادي أبها الأدبي قصب السبق ممثلاً في رئيس النادي الدكتور أحمد آل مريع والذي بذل الغالي والنفيس كي نشاهد الثقافة حاضرة في منطقة عسير ومنها محايل عسير عبر لجنة ثقافية تحت مظلة نادي أبها الأدبي الأم هذه اللجنة التي ولدت بعد سنوات طويلة من السعي والجد والمثابرة والمتابعة المستمرة .. هذه اللجنة التي ولدت في جوف أمسية شاتية دافئة وما أشبه الليلة بالبارحة !
وفي ليلة ” محايل في ذاكـرة التاريخ ” التي نظّمتها اللجنة الثقافية بمحايل يقول الاعلامي عبد العلام الفلقي : ” محايل مدينة الحب الذي لا يشيخ ” قبل أن أقرأها في خيال الشاعر العذب عبد الله الأسمري قائلاً : ” مَحَائِلُ تَزِدَهِي بِوَهَجِ أَهْلِهَا ..وَتَتَأَوَّهُ لَيْلًا مِنْ عِشْقِ وَثَرْثَرَةِ السِّمَارِ..وَقَرْعِ أَنْعَلِ الْعَابِرِينَ وَالْمَاكِثِينَ وَالْقَاطِنِينَ تَمْنَحُهُمْ رُوحَ الدِّفْءِ وَالْخَيَالِ ” ..
وسكب الشاعر عبد الله الساكتي شعره كقاطر يلوح بارقه في مساء محايل قائلاً :
يا دفا الأحساس يا محايل دفا
يا لحون التهم في ناي العشق
وحدّثني ليلتها الأنيق والكاتب : إبراهيم عبده عند اللقاء قائلاً : في بلاد التهايم كل شيء يغني للجمال .. وفي دثار الشتاء المحايلي قرأتُ محايل كأن لم أقرأها ورأيتها كما لم أراها من قبل وعبر فيلم وثاقي تاريخي حمل عنوان :
” محايل في ذاكرة التاريخ ” ، والذي نقلتنا المؤلفة الروائية أفكار عبد الرحمن في رحلة إنسانية موغلة في الحياة الإجتماعية المحايلية وتداعياتها من خلال فيلم وثائقي يحكي دور الأسرة في بناء المجتمع والعادات والتقاليد الأصيلة ذات القيم والمبادئ العظيمة
والذي أرآه باكورة أعمال درامية ومسرحية قادمة بإذن الله تعالى .. ساعد في إنجاح هذا العمل الوثائقي فريق متكامل من إشراف الكاتبة : آمنه عبدالرحمن والكاتبة : فاطمة الغربي وبطولة : طارق آل عقيل – ابراهيم العسكري – عمر حكمي – الطفلة تولين ابراهيم – الطفل معاذ ابراهيم – الطفل عبدالرحمن العسكري تعليق : حامد الصافي وتصوير: عبد الهادي الشهري وتنسيق واشراف عام الأستاذ : فيصل عبده ال مخالد وأخرجه المبدع : معاذ فلقي قبل أن يروي التاريخ من أهله الأستاذ الدكتور : محمد مدخلي ويفتح نوافذ وجسور المخطوطات والمشافهة والوقوف على قمة الحياد والإنصاف لكل العابرين بتاريخ محايل وجغرافية ” قرن المخيضر ” .. محايل التي كانت ومازالت محفوظة في ذاكرة التاريخ حتى باتت منارة إشعاع للحضارة والثقافة والتعايش الإنساني النبيل في ظل حكومتنا الرشيدة وقيادتنا الحكيمة .. وفي ليلة الثقافة كان للتاريخ وجهاً آخراً مشرقاً مليئاً بالعراقة والأصالة عبر متحف الأستاذ : إدريس الشاعري الذي كان مضيافاً وشاعرياً وراويةً في استقبال ضيوفه وزائريه ، يحدثنا عن الماضي بذات الروح واللهجة الجنوبية ” المحايلية ” اللذيذة وكأنّه يلبسُ الهوّية بوح الرسائل العميقة ذات الدلالات الراسخة والثقافات الثابتة .. هذا المتحف الرائع بمقتنياته النادرة والموغلة في التاريخ الإنساني عبر عصورعديدة وفي قمّة جبل المقيصرة يجاذبني رفيق الأمسية الأديب لاحق العاصمي وهو يحتسي كوباً من الشاي ويستطرد في حديثه ” محايل هي بوصلة الأصالة ووجه الحراك الثقافي القادم وعن اختزالاتها الشعبية المليئة بالقصص والحكايات والروايات والموروث والفنون والإبداع يرى بأن المثقفين يحملون مسؤولية كبرى في تصدير هذا الجمال للعالم ليعلم العالم بأننا في وطننا السعودية وفي قطرنا الجنوبي نحمل أرثاً وثقافةً وفنّاً أصيلاً لا يضاهيه فن ولا أدب وفي محايل المدينة التي لا تنام شتاءً فهي قارئة الكف وسارقة الفنجان ومن خطت تفاصيلها على كل ملامح العاشقين المفتونين بتلك الفاتنة الجنوبية .. محايل الأم المدينة القديمة بإرثها وأصالتها ومحايل الحديثة بنهضتها وعمرانها ونحن نعبر طرقها وحاراتها وكيف إنها تكتحل جمالها من أصالة أهلها ؛ كي تلقيه في عيون العابرين الذين قال عنهم المؤرخ محمد عامر المحبّي : ” هم شهادات التكريم التي تسمو بمحايل إنسانا ومكاناً .. كم من المبدعين والمبدعات في محايل كانوا وما زالوا يرون محايل بأنها ملهمة الإبداع ملهمة لتباريحهم ومناجاتهم وذكرياتهم كانوا وما زلوا يحلمون بأن تكون اللجنة الثقافية جسر عبور لحروفهم ومأوى لكل نتاجهم الأدبي .
ومضة :
يقول الأديب حامد الصافي على لسان محايل :
أنــا الأصـــــالةُ والتـــاريخُ ســـطّرهــا
وحَـاضــــري زاخــرٌ بالســـّعدِ والأمـلِ
فــي ظـلّ عهــدٍ حبــاهُ اللهُ مكـرمة
فخـــرٌ يفـوقُ معـاني الحـرفِ والجُمـلِ
تستاهل محايل عسير كل حب وكل وفاء وكل كاتب ومبدع ومتميز ونابغة مثلك ياأبا فهد