بقلم /محمد جمعان الشدوي
ولنا في الخيال حياة، ولأنه خيال فلابد من سبك وحبك:
الخمسون.. شيخوخة الشباب لكنها شباب الشيخوخة، فذو الخمسين هو شاب بين الذين بلغوا السبعين أو الثمانين، هكذا قال الضخم الفخم العقاد، الذي كان يرى حينها أن الخمسين نهاية الكسب أو التحصيل من الحياة ليس بعدها ما يأخذه الانسان ويضيفه إلى تكوين عقله وجسمه، فهو يعطي الكثير ويفقد الكثير إيذانا بفقد كل شي يأخذه التراب من التراب، إنها سن التصفية وعمل الحساب ليتعرف الانسان نصيبه من الربح ونصيبه من الخسارة.
كل انسان له عالمه الخاص داخل نفسه، ومعرفة المرء لذاته ليست معرفة بل بصيرة كما يقول رشاد حسن، فهنيئاً لمن عرف ذاته ،
وويل لمن بلغ الخمسين؛ ولم تنضجه تجاربه، ولم يحقق ذاته فقادمه مضطرب إلا أن تناله رحمة الله.
قيل عن النفس بأنها القوة الخفية التي يحيا بها الانسان، وقد أقسم بها الحكيم العليم، واحتار الفلاسفة حولها وتباينوا، فهي عجيبة غريبة، تقبلّ وتدبّر، تفرح وتحزن، تخطي وتتوب، كلما تعمقت داخلها تأملت عظمة الخالق سبحانه، لذا قال العلماء الحكماء بأن مخالفة النفس رأس العبادة.
الذي لديه نفس الرؤية للعالم في سن عشرين عامًا كما في الخمسين فقد خسر ثلاثين عامًا من حياته، فعالم اليوم يموج بمتغيرات متلاحقة تعصف بها الأيام ضمن دولاب الحياة المتقلب ، فبادر بإصلاحها واستكمل فضائلها فهي جوهر الانسان وشرفه.
بادر لمغالبة نفسك، تنتعش حياتك، فجرب ومحص ولا تتوقف فنقطة الماء المستمرة تحفر عميق الصخرة، ولا يصاب بالبلل من يبقى بعيدًا عن الماء، ففي بيت النملة تصبح قطرة الماء طوفانًا، فليس من الحكمة والمنطق أن تعيش في الماء وتعتبر التمساح عدوًا لك.
عليك حلحلة علل النفس فهي أشد من علل الاجسام، رتب أولوياتها ؛ أهتم بصحتك وفعل التغافل، واهجر الغضب وتعود الحلم، أكثر من الخبايا والعمل الصالح فمن خلالها تصلح الجوارح، عش في ظلال القرآن العظيم ،وتذكر بأنه سيصلى عليك ويقال فيك قول شيخ المعرة:
ثم المنايا فأما أن يقال مضى… ذميم فعل وإما كوكب خمدا
فاختر لنفسك، وأعلم بأن التقدم في العمر الزامي أما التقدم في المستوى فهو اختياري.
فنصف قرن على وجه البسيطة محفز لحث الخطى نحو الرضاء والقناعة واستجلاب الخيرات واستمطار الرضوان بمداومة العمل الصالح فأكثر من العطاء وقلل من الأخذ، واعتزل ما يؤذيك، وتعامل بأحسن الأخلاق لترسم صورة يسرك أن تراها بين يدي الملك العدل.
أكثر من العزلة للتدبر والتأمل، قلل من مخالطة الناس فكثرتهم قيد، فقد تشكلت في البناء ففي سن الخمسين يكون لكل شخص الوجه الذي يستحقه كما يقول أورويل، فلابد أن تستشعر بأن الحياة مدرسة والناس أسئلة والأيام إجابات، فعليك بمواجهة الحقيقة ففيها تكمن قوة عقلك كما يقول الفيلسوف نيتشه الذي خالف فعله قوله فتجنن آخر حياته.
هذا ما جاد به خيالي فعذرًا لكل خمسيني كمستهدف بخواطري وهم الفئة من (٥٠ إلى ٥٩) إن تجاوزت فقد يكون المتلقي أفضل، فالنصح محبة وليس إثبات أفضلية، فالحكمة ضالة المؤمن، ورحم الله البوصيري حين قال:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على…. حب الرضاع وإن تفطمه يِنفطم
وخالف النفس والشيطان واعصمها… وإن هُما محّضاك النصّح فأِتهمِ
وأعرف نفسك.. تعرف من أنت كما قال سقراط..
توقف الخيال… دمتم بخير