يطل علينا شهر رمضان المبارك في كل عام لتسبح أرواحنا في بحر الجود والكرم الإلهي الذي تفتّح أبوابه وتتزايد عطاياه وهباته جلّ جلاله ، وتقع العلاقات الإنسانية والتواصل بين الناس في مقدمة الأعمال الصالحة التي تُعد هي المحك الرئيس لقبول الأعمال ورفعها للخالق سبحانه وتعالى، ولربما هناك أناس يجتهدون في الطاعات ولهم قيام ليل وصدقات وتبتل لا ينقطع إلا أنهم يعيشون في دائرة الحرمان ورد العمل لأسباب ذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله (تعرض الأعمال على الله يوم الإثنين والخميس ، فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئًا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله دعوا هذين حتى يصطلحا)
والقطيعة التي يقع فيها الإنسان وتكون سببًا في الحرمان من قبول الأعمال متعددة ولكنها تبرز وتظهر في الحالات التالية :
قطيعة بين الأقارب والأخوة وسببها عادة ما يكون مصالح دنيوية مشتركة ويدخل الشيطان بينهم فيزيد من فجوة القطيعة ويؤجج سعيرها لتستمر سنوات دون أن يرجحوا العقل ويقدموا صلة الرحم على غيرها من المكاسب الدنيوية.
قطيعة بين الجيران ويتصور بعضهم أن هذه لا تشكل خطرًا لما قد يراه ليس من الرحم فلا بأس من الجفوة والقطيعة والرسول أوصى بالجار، بل أنه ظن عليه السلام أن الله سيورثه لعظيم حق الجار وأهميته
القطيعة بين أقطاب الأسرة ( الزوجين ) وهذه من أشد وأعظم القضايا التي تؤرق المجتمع وتؤذن بمشاكل لا نهاية لها مما يعتري الأطفال من هموم وقلق ومشاكل وشرود ذهني وعقد نفسية تبقى معهم طوال حياتهم ، بل أنها قد تفضي إلا الانفصال وتبقى قضية الأطفال وهمومهم قائمة على طول حياتهم فالأسرة المفككة لا تضمن لأطفالها الاستقرار مهما حاول كل طرف أن يوفر لهم جانبًا من الاستقرار والطمأنينة ، بل أن تلك المشكلة قد تؤذن بمشاكل أخرى، فالمخدرات يراها البعض سبيلاً للهروب من قلق التفكك والضياع ، والانسحاب من صفوف الدراسة والركون للإنطواء والهروب من المجتمع تعد من سمات الأطفال الذين عاشوا قلق التفكك وجحيم القطيعة بين الوالدين.
وإننا في جمعية إصلاح ذات البين ببلّسمر وبلّحمر استطعنا ولله الحمد جبر أسر تفككت وعانت الأمرين وما وجدوا الاستشارات الأسرية المتخصصة والتوجيه الموجه وقد عاد لتلك البيوت نورها واجتماع شملها ورفرفت على أركانها السعادة من جديد .
وكان للجمعية من خلال فرق العمل الإصلاح في قضايا طالت لسنوات بين أطراف يجمعهم القرابة والنسب أو الجوار ومع ذلك تغلب الشيطان على قلوبهم لسنوات حتى وجدوا في جمعيتهم جمعية إصلاح ذات البين نافذة متخصصة منصفة وحريصة على رأب الصدع وجمع القلوب وإعادة الحقوق لأصحابها وبمنتهى الرضا والقبول.
إن تجربة جمعية إصلاح ذات البين ببلّسمر وبلّحمر رغم قصر تلك التجربة التي لم تتجاوز عامها الأول لمبشرة بحياة اجتماعية آمنة وفق ما جاءت به رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي جعلت من السلم المجتمعي هدفًا وركيزة أساسية ، فتحقيق الرفاهية والتقدم والازدهار لا يكون إلا من خلال مجتمع قوي الروابط تجتمع أهدافه مع أهداف قيادته في البناء والتنمية والرقي والازدهار.
ومما لا شك فيه أن التوجه السديد لسمو أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز وحرصه ومتابعته لقضايا الإصلاح والتسامح والعفو وهو صاحب مقولة (إصلاح القلوب قبل الدروب) كانت الدافع الرئيس لإنشاء الجمعية وتبني مبادرات الإصلاح الأسري والمجتمعي، وقد كان لمباركته انطلاق الجمعية دافعًا قويًا لدى المؤسسين والمهتمين الذين التحقوا بالجمعية، ليبلغ عدد العضويات بمختلف مستوياتها 173 عضوية ما بين تأسيسية وانتساب وفخرية وشرفية وعضويات المتعاونين من المهتمين بقضايا المجتمع والمصلحين الاجتماعيين، ولا زالت الجمعية تستقبل الأعضاء المتخصصين والمؤهلين للعمل جنبًا إلى جنب مع مشايخ ونواب القبائل للإصلاح ونشر ثقافة التسامح والتصالح والعفو في المجتمع.
ونحن في جمعية إصلاح ذات البين ببلّسمر وبلّحمر نضع إمكانيات الجمعية وقدرات منسوبيها والمتعاونين معها من المتخصصين والمؤثرين والاستشاريين والاستشاريات الأسريين والمؤهلين تأهيلاً عالٍ في خدمة المجتمع والأسرة، ونؤكد على سرية قضايا المستفيدين من خدمات الجمعية وصيانتها والحفاظ عليها فلكل قضية خصوصياتها وظروفها ، كما نؤكد على ألا يمارس قضايا الإصلاح والاستشارات إلا أهل الاختصاص المؤهلين والمدربين.
وختامًا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لبلادنا قادتها وأمنها واستقرارها.
محمد عبدالرحمن آل دغيم
رئيس مجلس إدارة الجمعية