خرجت ذات مساء أخاطب نفسي، وكان بيدي غصن من شجرة الوح به يمنةً ويسرةً، وأنا ضائقة الحال؛ فلقد أخذ الضيق مني مأخذه، واستندت إلى جذع نخلة، وجلست أتأمل السماء، وإذا بالقمر يناديني من بعيد، ويسألني: ما الذي وصل بك إلى هذه الحال؟
قلت له: دعني – أيها القمر – ، لا تكترث بأمري؛ فوجهك المضيء المكتمل جعلني أشعر بالشوق لأشخاص كانوا بالأمس القريب معنا، ها قد علا الحزن روحي، وأنا أشعر بالوحدة، أصبحت أنظر إليك وأتعجب من حالك؛ تعيش وحيدًا سعيدًا لا يضاهي كبرياءك كبرياء!
فضحك متبسمًا وقال: ألا ترين حالي في آخر الشهر، أصبح كالعرجون القديم المنحني، وفي منتصف الشهر أستجمع قواي، وأكتمل مرة أخرى، وأنسى ما ألمَّ بي، ولا أكترث به، أعيش وقتي الجميل المكتمل، وأشعر بالسعادة وأنا أجذب الأنظار، وأستطرب الأشعار؛ فالحياة قصيرة جدًّا لا يدوم شيء فيها على حال.
استرجع شريط حياتك؛ ستجدها تجري كالغيم الذي تفرقه السحاب، تذكر المنزل الذي جمعك أنت وإخوتك، وفناء الحديقة الذي احتواكم وأنتم تلعبون، واليوم كل واحد منكم في منزل ومدينة تبتعد عن الأخرى!
تذكر أول يوم لك في المدرسة، وآخر يوم لك في الجامعة، تجدها تناثرت كما يتناثر العقد المنقطع، ستجد أن الوقت أسرع بكم، ولم يتريث حتى تختار الحقبة التي تتمنى أن تبقى فيها.
املأ أيامك بالسعادة والفرح، واغمر من حولك بالحب..، لا تحتفظ بما يزعجك ويكدر صفوك، حتى تبقى الذكريات جميلة كلما استرجعتها، فأنت بالخيار؛ أمامك الحلو والمر، فانقش في ذاكرتك ما شئت منهما، واعلم أن ذاكرتك مثل الأرض الخصبة، ازرع فيها ما ترجو أن تحصد منها.
عش يومك وتمتع بكل ما فيه ولا تشغل نفسك بما في الغد، فالغد موكول لتدبير رب رحيم لن يفجعك فيه، اعلُ بنفسك وذاتك، ودلل روحك.
✍🏻الكاتبة / هياء هديب الشهراني