المعجزة الثابتة

بقلم / سميه محمد

منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر و خاتم الأنبياء و المرسلين و هو يجاهد و يثابر من أجل نشر الرسالة رغم كل ما أحيط به من كره و مكائد و أحقاد لا تنتهي و خطط للنيل منه بشكل متواصل ، ولكنه القوي الأمين يجب أن يحمل الأمانة و يؤديها على أكمل وجه دون يأس او تراجع و كيف لا و قد أختاره الله تعالى و أوحى له عن طريق جبريل عليه السلام بأنه سيكون رسول الأمة و خاتم الأنبياء و المرسلين و عليه أن ينشر الأسلام الدين السماوي الجديد بعد اليهودية و المسيحية و الذي سيبقى إلى قيام الساعة بدستوره الذي يحوي شرائعة و تعاليمة القرآن الكريم كلام الله قول الحق الخالي من التزيف و المحصن من التحريف ..

ظل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام و كل همه ان يسلم الجميع و يدخل في الدين الجديد مهما كلفه ذلك من أذى ومضرة و عليه ان يبذل كل مابوسعه فقد سكنت في قلبه رحمة كادت أن تحتضن الكون بأكمله من شدة ما أراد الخير و الصلاح للجميع .

فلم يفرق بين أحد الجميع سواسية سواء رجل أو أمراة ، غني أو فقير ، عبد أو حر ، إنس أو جن ،

و أمر بالعطف و الرحمة على الحيوان و الطير و الأهتمام بالأرض و الشجر و النبات ،

بدأ الإسلام بامرأة و هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ، و رجل و هو أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، و غلامان هما علي بن أبي طالب و زيد بن الحارث ، ثم انتشر الإسلام دين الصدق و العدل و أسلمت كل الجزيرة العربية ثم تعداها لينتشر في جميع القارات تباعا و تسارع من دخل في الإسلام في على أي بقعة من الأرض وفي أي زمن فقد أنبثق الإسلام كالنور الذي يسري من خلال السنين و القرون ولا زال كذلك حتى الآن ورغم كل التشوية و الأكاذيب التى تقال ضده يبقى قوياً راسخاً و يضل ناصعاً بالحقيقة و السمو ..

واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل الصعوبات و تخطى العقبات ، تعرض للسب و الشتم والتكذيب ، لم يسلم من الضرب و السخرية و الغمز و التجريح ، و أتهم بالسحر و الشعر و الجنون ،

لكنه محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن يهتم بنفسه كل تفكيره و قوته سخرها من اجل تبليغ رسالة ربه تعالى ، سار على طريق الحق و أرشد إليه كل من عرف و من لم يعرف ، و بين تعاليم الإسلام و شرائعه و كل مايتعلق به من قوانين وشروط فكان و لازال معلم البشرية بحق المعلم الذي تتعلم منه كل أصيل و رفيع فتحبه و تجعله قدوة لك لأنك تتعلم منه الشموخ و الرحمة و الإحترام و الخير و الكرامة كأنه بستان من الورد تظل تنظر إلى جماله و لا تكل و تستنشق شذى روائح عذبه تصل إلى روحك و تسكن فيها ..

تكالبت الاحزان و الهموم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بعد حصار قريش له و لمن تبعه في دينه او حمية له في شعب عمه أبي طالب ، و زاد حزنه بوفاة خديجة رضي الله عنها التي كانت تهون عليه و تقف الى جانبه و تساعده بكل ماتستطيع و كذالك وفاة عمه ابي طالب الذي كان يحوطه و يحميه برعايته و يدافع عنه توفيا هما الأثنان في عام واحد و مما زاد من هم وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم أضعاف أن عمه مات على الكفر ..

أستقلت قريش وفاة أبي طالب لانه كان السند الذي يحمي الرسول فقد كان ذا شأن كبير فأخذت تضيق على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففكر الرسول صلى الله عليه وسلم ان يخرج من مكة لعله يجد نصرة فأختار الطائف التي تمثل مركز مهم لسادة قريش و أهلها فهم يملكون فيها الأراضي و الدور كذلك تعتبر لهم راحة في الصيف ،

فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع زيد ابنه بالتبني قبل ان يحرم الأسلام التبني فتوجه إلى الطائف و بدأ بسادة القوم فدعاهم إلى الإسلام و لكنهم كذبوه و طردوه ، و لم يكتفوا بذلك بل أغروا أطفالهم و سفاهائهم فتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يسبونه و يشتمونه و يرمونه بالحجارة حتى أصيب الرسول في قدميه الشريفتين فسال الدم منهما و من شدة مالقي من أذى و تعب أغمي عليه ، و لم يفق إلا و جبريل عليه السلام قائم عنده يخبره أن الله عز وجل بعث معه ملك الجبال برسالة يقول فيها :

يامحمد إن شئت اطبق عليهم الأخشبين و هما جبلان عظيمان يطلان على مكة من الشرق .

فرد الرسول صلى الله عليه وسلم :

أنه عفى عنهم و أنه يرجوا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله و حده لا يشرك به .

بعد كل هذه المحن جائت معجزة الإسراء و المعراج تسرية للرسول صلى الله عليه وسلم تهون عليه و تكريماً له .

تبدأ رحلة الأسراء و المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نائماً بمكة عند الكعبة بالحطيم و قيل في الحجر آتاه ثلاثة ملائكة من بينهم جبريل و ميكائيل عليهما السلام وللمرة الثانية شقوا مكان قلبه ثم غسلوه بماء زمزم ثم ملئوا قلبه إيمان و حكمة ، ثم اركبه جبريل عليه السلام دابة يقال عنها البراق و كما وصف في معظم الكتب و الأحاديث أنه حصان أبيض اللون يملك جناحان يستطيع الطيران بهما .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( ركبته ثم سرى بي من مكة إلى بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت إلى بيت المقدس فصليت فيه ركعتان فخرجت فجائني جبريل عليه السلام بإناء فيه خمر و إناء فيه لبن فأختارت أختيار الفطرة اللبن .

ثم عرج بنا إلى السماء الأولى (وأسمها رقيع و هي مكونة من دخان ) فأستفتح جبريل عليه السلام

فقيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فاذا انا بآدم عليه السلام فرحب بي و دعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ( و أسمها فيدوم على لون النحاس )

فاستفتح جبريل عليه السلام

فقيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بي بأبناء الخالة عيسى و زكريا عليهما السلام فرحبا بي و دعيا لي بالخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ( و أسمها الماروم و هي على لون النور )

فأستفتح جبريل عليه السلام

قيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بنا بيوسف عليه السلام

و قد اعطي شطر الحسن فرحب بي و دعا لي بالخير .

ثم عرج بنا السماء الرابعة ( و أسمها أرفلون وهي على لون الفضة )

فأستفتح جبريل عليه السلام

قيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بنا بإدريس عليه السلام فرحب بي و دعا لي بالخير

إدريس عليه السلام هو النبي الذي لم يدفن حيث قبضت روحه و هو في السماء الرابعة

قال تعالى :

(( ورفعناه مكاناً عليا ))

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ( واسمها هيفوف وهي على لون الذهب )

فأستفتح جبريل عليه السلام

قيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بنا بهارون عليه السلام فرحب بي و دعا لي بالخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ( و أسمها عروس وهي ياقوتة خضراء )

فأستفتح جبريل عليه السلام

قيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بنا بموسى عليه السلام فرحب بي و دعا لي بالخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ( و أسمها عجماء و هي درة بيضاء )

فأستفتح جبريل عليه السلام

قيل : من أنت

قال : جبريل

قيل : ومن معك

قال : محمد

قيل : اوبعث إليه

قال : قد بعث إليه

ففتح لنا فإذ بنا بإبراهيم عليه السلام مسند ظهره إلى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة لا يعودون إليه و قد قيل ان البيت المعمور لإبراهيم عليه السلام لأنه تمنى بيت كهذا في الجنة يطوف حوله الملائكة .

فرحب بي و دعا لي بالخير .

روي الترميذي عن ابن مسعود قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( رأيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي

قال :

يامحمد أقرىء امتك مني السلام و أخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء و أنها قيعان و أن غراسها سبحان الله و الحمدلله و لا إله إلا الله و الله أكبر ) .

ثم ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى و إذا ورقها كأذان الفيلة و إذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ماغشي تغيرت فما احد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها .

فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة كل يوم و ليلة ،

فنزلت إلى موسى فقال :

مافرض ربك على أمتك

قلت : خمسين صلاة كل يوم و ليلة

قال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف فأن أمتك لاتطيق ذلك فأني قد بلوت بني إسرائيل و خبرتهم ،

فرجعت إلى ربي

فقلت : يارب خفف عني

فحط عني خمسة

فرجعت إلى موسى

فقلت : حط عني خمسة

قال : ان امتك لا يطيقون ارجع إلى ربك فسله التخفيف

قال صلى الله عليه وسلم : فلم أزل ارجع بين ربي و موسى

حتى قال : اي الله عز وجل

يامحمد انهن خمس صلوات كل يوم و ليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرة ، و من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب له شيء فإن عملها كتبت له سيئة واحدة .

فنزلت إلى موسى فأخبرته

فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف

فقلت : رجعت إلى ربي حتى أستحييت منه .

في بعض الرويات أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما أسري بالرسول إلى بيت المقدس و قبل أن يدخل إلى المسجد الأقصى رأى رجلاً يصلي بالقرب من قبره فعرف أنه موسى عليه السلام فلما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى صلى ركعتان فعندما ألتفت ورائه وجد الأنبياء تصلي ورائه عرفهم كلهم وقد صلى لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بهم يؤمهم وقد اختلف العلماء فمنهم من قال أنه صلى بهم قبل المعراج و هناك من قال من العلماء صلى بهم بعد ما نزل من السماء أي بعد المعراج وسواء قبل أو بعد الثابت أنه صلى بهم جميعاً اماماً لهم ..

ثبت في حديث عبدالله بن مسعود عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك

قال : نور أني أراه

عن عائشة رضي الله عنها قالت :

من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه أي ليلة الإسراء والمعراج فقد أعظم على الله الفرية ..

عندما حكى الرسول صلى الله عليه وسلم للجميع عن ماحدث له كذبته قريش رغم وصفه الدقيق لبيت المقدس الذي لم يذهب إليه في حياته حيث أخذوا يسألون القوافل القادمة من بيت المقدس فعندما يقولون وصف الرسول يأكدونه بأنه صحيح فتكاد عقول المشركين تخرج من رؤوسهم ، و عندما قالوا : لابي بكر ساخرين انظر إلى صديقك محمد يقول : انه ذهب لبيت المقدس و راى خبر السماء

فقال ابي بكر :

اوقد قال محمد ذلك

قالو : نعم قال

فقال : فقد صدق

ومن هنا أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي بكر صاحب القلب الملائكي بالصديق ..

نحن المسلمين نصدق هذه المعجزة و متيقنين بحقيقتها فقد ذكرت في القرآن الكريم بداية سورة الإسراء :

قال تعالى :

(( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا أنه هو السميع البصير ))

وقد ذكرت في احاديث قالها رسولنا الذي شهد هذه المعجزة بنفسه و قالها بحذافيرها دون زيادة او نقصان و هناك اثباتات و أدله تظهر مع أستكشافات العلم الحديث على مر القرون و الأزمنة .

أنها المعجزة الثابتة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها حتى و ان انكرها ظاهرا فهو في باطنه حقيقة مؤكدة و مصدق بها في قرارة نفسه .

الشمس عندما تكون في كبد السماء لا يستطيع أحد أن ينظر إليها مباشرة لكنها موجودة و حقيقة لا يمكن إخفائها .

شاهد أيضاً

” مهارات التأثير الإعلامي “

  بقلم – سراء عبدالوهاب آل رويجح: أقيمت بمحافظة بيشة يوم أمس الخميس التاسع عشر …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com